رحلتى لليمن وعودتى بخفى حُنين
بقلم:د. محمد فتحى فوزى
بقلم:د. محمد فتحى فوزى
فى بداياتى كنت أبحث عن تحسين دخلى المعيشى براتب أعلى من راتبى فى مصر، فراسلت السعودية كثيرا للعمل بإحــــــــدى مدارسها، بناءً على إعلاناتها بطلب معلمين لديها تحقـــــــــــيقا لطموحاتى التى أحلم بها، ولكن للأسف من رسائلى التى أبعثها تعود بعدم الإستدلال على العنوان ،ومنها من لا يعود ولا أتلقى ردا أوإستجابة، وذات يوم فوجئت بمسئول من إحدى هــذه المدارس ـ الآن رحمه الله ـ يوجهنى إلى مكتب رسمى يجرى تعاقداته بمصر ،ومرفق بخطابه ورقة توصية بالتعامل معى فى الوظيفة التى تناسب مؤهلى ، ومن عادتى أنى احتفظ بكل ورقة كبيرة أو صغيرة بحوذتى ،ولظروف ما وعدم ضمان التعاقد لم أذهب للقاهرة، كما طُلب منى ، وظللت أصرف على مراسلاتى هباءًمنثورا، وذات يوم قررت السفر مع أصدقائى لليمن، وكانت فى ذلك الوقت بدون تأشيرات وبالجواز فقط، وذهبت للقاهرة واشتريت تذكرة الطائرة ذهابا وإيابا كما كانت التعليمات
وعدت حاذما أمتعتى للمغادرة، وذهبت لتأكيد الحجز بمكتب الطيران فلمحت أسرة تساوم على تذكرتى ؛ فلغيت هذه المساومة وأكدت حجزى ،وفى اليوم الموعود إستقليت سيارة للمطار ومنها للطائرة بعد إجراءات ختم المغادرة والتأكد من حمل التذكرة
فصعدت إليها، وكان الطقس قائظ الحرارة، وأثناء الإقلاع أخذت تتارجح يمنة ويسرة كأنها تكاد تفقد توازنها وساد الرعب والهرج والمرج داخلها وخصوصا بين النساءو الأطفال ، إلى أن استوت وواصلت طريقها، وتعرفت بداخلها على بعض المديرين والمعلمين ثم تناولت طعام العشاء، واُطفئت الأنوار للإسترخاء، وعند الهبوط سمعت نداء القائد عبر مكبرات الصوت بربط الأحزمة ؛تمهيدا للهبوط بعد منتصف الليل ،ولامس عجلها الأرض، ولم تتوقف إلا عند باب الإستقبال، فنهضنا من مقاعدنا وسرت إلى جوار الباب وهو يُفتح؛ فدخل منه هواء بقوة ضغط قذفتنا داخل الطائرة، وكأن هناك من يضربك على كتفك ، فهبطت على السلم، وولجت للصالة، مصابا بصمما تاما نتيجة اختلاف الضغط الجوى، فقت منه بعد فترة ،وأخذت حقيبتى بعد أن سلمت جوازى ،وأخبرونى بعدم إسترداده إلا عند المغادرة، وخرجت فى السحر لموقف السيارات، وأستقليت إحداها مع جمع إلى داخل صنعاء، وبها أصبت بضيق فى النفس، ونهجان ،وسعال؛ فكنت أطمئن نفسى بأنها حالة نفسية عارضة وستزول بمجرد إلتقائى بصحبتى فى الفندق حيث كنت مفردا، وكان البرد شديدا؛ ونزل المستقلون كل أمام مسكنه ، ولم يبقِ بالسيارة سواى والسائق الذى كان متمنطقا بخنجره المعقوف وأنا قلق من جراء ذلك....
وأخذ يسوق.. ويسوق، ويسوق ...ويسوق وأنا لا أدرى عن المكان شيئا، وكل هذا ليحصل منى على أكبر قدر من المال، ومع بزوغ الشمس وقبلها بقليل ،وصلت لفندقى المعهود ،وطلب منى السائق كما توقعت فأعطيته ما معى بدون مشاكل، وصعدت للدور العلوى فوجدت أصحابى نائمين، وآذان الفجر يصدح بحى على خير العمل،
وبعد الراحة خرجت للواء(وزارة) التعليم بصنعاء ،وسجلت أوراقى للتعاقد،والتقيت بمدير عام الإدارة التعليمية هناك وطمئننى بالتوظيف إن شاء الله، فخرجت لجولة حرة بشوارعها للسياحة، وبعد أيام أُعلنت كشوف الأسماء وإسمى منهم بالتوزيع على المدارس باليمن ؛ففرحنا بذلك وعدنا لسكننا مبسوطين، ونحن نهرج ونضحك ،وعند الإستلام أخبرونا بالتراجع عن التعاقد معنا لوصول عدد كفاية من المعارين من مصر وستدفع مرتباتهم السعودية، فيفسخ التعاقد الشخصى؛ فأصابتنا خيبة أمل كبيرة نتا ج ذلك، وعدنا من الوزارة للإدارة وكنت ممسكا بالخطاب الذى أرسله لى المدير السعودى مسبقا، فلمحه المدير العام وطالبنى بالبقاء للتوظيف بموجب ذلك الخطاب الذى سيعيده للسعودية
فرفضت أن أُفضل على أصحابى فى التعيين وهم حزينين ؛فلابد من مماثلتهم، وقبل أن يغلق مطار صنعاء أبوابه فى وجه المسافرين لإحتفالات اليمن بعيدها القومى، أكدنا الحجز ودخلنا المطار ونحن نبحث عن أسمائنا فى كشوف الجوازات ؛لنستردها للمغادرة ،وقلوبنا فى أيدينا ؛فقد كانت أكواما مكدسة على الارض فى غرفتها، وفى الطائرة راحت تصعـد لأعلى مما تتصور، ثم تهبط لتفادى الرياح العاتية، ونحن على أعصابنا ندعو الله بالسلامة ،وكان بها قلة من الركاب، إلى أن انتهت الزوبعة وهبطنا سالمين إلى مدننا ،خالين الوفاض من التعاقدات، ثم بعد ذلك بسنين عوضنا الله بالعمل فى السعودية ،وتحققت الآمال والطموحات والحمد لله رب العالمين قطع من ذاك ووصـــل بذلك مذكراتى من حياتى،،،