الـفـراشــــــة
بقلم: د. محمـد فـتحى فـوزى
كنت فى سالف العصر والزمان، أسير فى الشارع ظهرا
، وهو مبخوخ بالمياه؛ فيصير التراب رطبا، وتكثر به الفراشات ذات الألوان الزاهية؛
فتستهوينى للتربص بها واصطيادها ؛ فتنهك قواى فى اللهث ركضا ورائها ، إلى أن أصطاد
واحدة أتأمل فى زهائها ونضارتها وهى تُحرِك
جناحيها؛ فتنفض ما بها من " بودرة" الألوان مُلَطِخة يدى بها؛ فـتنمحى
منها ؛ فأفلتها؛ للبحث عن أُخرى تكون مُلوَّنة، وينسينى المشى خلفها وتركيز يدى
وسرعتها للإمساك بها – حرارة الطقس وقيظه ؛ فأذهب معها أينما كانت ، وإما حظيت بها
أو لم أحظ.. وذات صباح جلبتنى فراشة فى الشارع ،وكانت نهايته على نهر النيل ؛فركضت
خلفها ؛ لقبضها؛ فحاورتنى ، وراحت تتفلت منى هنا وهنالك، ويجذبنى الأمل فى الظفر
بها ، وكانت الفراشة فطِنة وكأنها تريد الإنتقام منى ؛ لمحاولتى اصطيادها ؛ فراحت
تفِـر، وأنا وراءها إلى أن وصلت للنهر: وكان به درج للنزول؛ لعـوامة راسية فى
الماء نجتازها ؛ لركوب المراكب الشراعية ؛ فهبطت الدرج خلفها إلى أن حوَّمت على
ماء النهر ، وكأنها تجذبنى لها ؛ لاستكمال عقابها؛ فتوقفت عنها ؛ لإنى بلا وعى منى
؛ سأسقط فى الماء غريقا بسببها ؛ فعُـدت أدراجى من حيث أتيت خالى الوفاض ، وتركتها
تتبختر متطايرة على صفحات الماء فى عمقه الرقراق وتذكرت قوله تبارك وتعالى:"
ويُلههم الأمل؛ فسوف يعلمون." الحجِر3