الناس على مبادىء دستورهم(2)
بقلم: محمد فتحى فوزى
إنتشرت المسيحية كدين جديد وسط الإمبراطورية الرومانية الوثنية؛
فعانت من الإضطهاد وبعد أن كان الفرد خاضعا لسلطة موحدة قبل ا لمسيحية يتولاها
الإمبراطور وهى الزمنية والدينية ، صا را لمسيحى فى ظل الدين الجديد يلتزم
بواجبين: واجب دينى نحو الكنيسة والآخر زمنى نحو الإمبراطور.ومر الصراع بين
السلطتين الكنسية والدولة بثلاث مراحل كانت الغلبة فى كل منها لأحد الطرفين؛
فالأولى كانت الغلبة للسلطة الزمنية؛ لحماية الدين ، فقد أسند القديس الشهير بولس السلطة إلى الله وقال : بأن من سيقاوم
السلطة فإنما يقاوم النظام الذى أراده الله وبذا فهو يقاوم الله. وبعد علو شأن
المسيحية وازدياد انتشارها كانت الغلبة للسلطة الدينية وظهر النظام البابوى خصوصا
فى عصر البابا أ ريجوا ر السابع؛ لأن السلطة الدينية تسيطر على الروح وهى أسمى من
الجسد ومنه ؛ فمباشرة الإمبراطور لسلطانه يتم بتفويض البابا المفوض من قِبل الله،
وببيع صكوك الغفران والحكم بالهرطقة؛ قامت حركة الإصلاح الدينى وعليه تم استعادة
السلطة الزمنية وتقرر نهائيا فصل الدين عن الدولة.
ومن ثم كان طبيعيا أن يصبح ضمن مخططات الصهيونية
العالمية تأييد عزل الدين عن الدولة حتى يتمكن أبناءهم من التدخل فى سياسة الدول
والمشاركة والتخطيط السياسى أو الاقتصادى والاجتماعى لمستقبل الأمم المسيحية
والأسلامية تمهيدا للوصول إلى أهدافهم القومية البعيدة المدى ، وهم الذين حركوا
ظهور القوميات وتحول المجتمعات إلى حالة
البور جوازية التجارية اللذين ساهما فى عزل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية.
ولم يلق اليهود فى العصور الوسطى معاملة رحيمة إلا من
المسلمين فى مصر
ولذا استطاعوا
هناك أن ينصرفوا إلى الفلسفة والطب والفلك وأنواع الفكر المستنير.*
ولم يتوقف تقرير
مبدأ الفصل بين الدين والدولة على مجال الغزو الفكرى بل تعداه بفرض المبدأ
على المستوى الدولى والسياسى ودليلنا بروتكول معاهدة " لوزان" المعقود
بين الحلفاء والدولة التركية عام 1923 والمعروف باسم " شروط كرزون
الأربعة"وهى:
·
قطع كل صلة بالإسلام
·
إلغاء الخلافة الإسلامية فى تركيا
·
إخراج أنصار الخلافة والإسلام من البلاد
·
إتخاذ دستو ر مدنى بدلا من دستو ر تركيا
القديم المؤسس على الإسلام
وبذلك ظهرت العلمانية والدستو ر العلمانى، وعلى سبيل
المثال ورد فى دستو ر الجمهورية التركية الصاد ر فى 9يوليو 1961:
" الجمهورية التركية دولة قومية ديمقراطية علمانية
واجتماعية"
" ينبغى أن تكون أنظمة وبرامج ونشاط الأحزاب
السياسية مطابقة لمبادىء الجمهورية الديمقر اطية والعلمانية."
" ولا يجوز أن يرغم أى فرد على أداء العبادة ولا
على الاشتراك فى المراسم والاحتفالات الدينية ولا على التصريح بمعتقداته أوآر ائه
الدينية."
" كما لا يجوز الاستناد إلى التعاليم الدينية لتأييد
نظام الدولة الإجتماعى أو الإقتصادى أو السياسى أو القانونى وكل من يخالف ذلك أو
يدفع الغير إلى مخالفته يعاقب وفقا للقانون".
ومن ثم أيضا ما ور د فى الشرط الثالث من المادة (4) من
قانون الأحزاب
المصر ى الصاد ر
فى1977 ونصه:" عدم قيام أحزاب على أساس طبقى أو طائفى أو فئوى أو جغر افى أو
على أساس التفرقة بسبب العقيدة الدينية أو العنصر أو الجنس".
وقد و رد فى البروتوكول الصهيونى المطبوع سرا فى عام1897
فى نهاية القرن التاسع عشر فى البروتكول
السابع عشر" ولا يفصلنا عن انهيار المسيحية إلا بضع سنوات.وسيكون القضاء على
الديانات الأخرى أيسر من ذلك."
وهكذا تم تصدير
مبدأ العلمانية إلى الدول النامية وأبناء الديانات الأخرى تم ذلك بسهولة فى الوقت
الذى كانت فيه الشعوب النامية مغلوبة على أمرها تحتل دول الغرب ديارها "
والمغلوب طبقا لما يراه علامة الإجتماع بن خلدون ــ مولع بالاقتداء بالغالب ويقول
فى ذلك المعنى:" فالنفس تعتقد الكمال فيمن غلبها بما وقر عندها من تعظيمه أو
لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب وإنما لكمال الغالب؛ فانتحلت مذاهبه فى
ملبسه ومركبه وسلاحه".
وآخر ما تمخض عنه الفكر العلمانى هو سيطرة الأحزاب
الشيوعية الملحدة والمنكرة للدين من أساسه ؛ فأدت إلى حياة بلا هدف سُرعان ماتؤدى
للجنون والانتحارالفردى والجماعى كما كان مع القس" جيم جونز" بولاية
" جويانا" بأمريكا الجنوبية الذى مارس أحط أنواع الجنس الجماعى والشذوذ
الجنسى مع بعضهم البعض ومع مئتى طفل ؟! قمة الضياع ومنتهى العبث ؛ لا ختفاء
الدين.
وأختم موضوعى هذا بقول الفيلسوف " سبينوزا":
"إن الدين لا يكتسب قوة القانون إلا بإرادة من لهم
الحق فى الحكم وأن الله لا يباشر حكما خاصا على البشر إلا بواسطة أصحاب السلطة".
وإلى مقال آخر إن شاء الله عن الدستو ر المدنى.
وإلى مقال آخر إن شاء الله عن الدستو ر المدنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهم المراجع:
*برتراند راسل
:الكتاب ا لثانى تا ريخ الفلسفة الغربية
- فا روق عبد السلام دكتو ر- لأحزاب السياسية والفصل بين
الدين والسياسة
- محمود متولى دكتور : أسرار الحقيقة والمستقبل
- توماس أرنولد: الدعوة للإسلام ت رجمة دكتور حسن اب
راهيم حسن
- أسعد ر زوق دكتو ر : قضايا الدين والمجتمع فى إسرائيل.