كان الحجاج - تجاوز
الله عنه - من أكثر الناس خدمةً للقرآن و أهله , فقد كان يقرأ القرآن كل ليلة , و يختمه
كل ثلاث , و يأمر بإكرام أهل القرآن و إجلالهم , و قد خدم المصحف خدمةً عظيمة حين أمر
بتنقيطه (وضع النقط على الحروف) , و كانت له مواعظ تقشعرّ لها الجلود .
قال الحسن البصري:
لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج , سمعته يقول : «إن امرؤا ذهبت ساعة من عمره في غير
ما خلق له لحري أن تطول عليه حسرته يوم القيامة ».
و مع البغض الشديد
الذي كان يكنّه عمر بن عبدالعزيز للحجاج إلا أنه قد روي عن عمر أنه قال : « ما حسدت
الحجاج على شيء حسدي إياه على: حبه القرآن وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة:
"اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل"».
و كان الحجاج يقول
حينما حضرته الوفاة : "اللهم اغفر لي فإنهم يزعمون أنك لا تفعل"
و أنشأ يقول :
يَا رَبِّ قَدْ
حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا * بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ
أَيَحْلِفُونَ
عَلَى عَمْيَاءَ؟ وَيْحَهُمُ * ما عِلْمُهُمْ بكريم العَفْوِ غَفَّارِ؟
قال الحسن البصريّ
: «تالله إن نجا لينجونّ بهما»
احتل الحجاج بن يوسف الثقفي مكانة متميزة بين
أعلام الإسلام، ويندر أن تقرأ كتابًا في التاريخ أو الأدب ليس فيه ذكر للحجاج الذي
خرج من سواد الناس إلى الصدارة بين الرجال وصانعي التاريخ بملكاته الفردية ومواهبه
الفذة في القيادة والإدارة.
وعلى قدر شهرة الحجاج كانت شهرة ما نُسب إليه
من مظالم؛ حتى عده كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالا بالغا للطغيان، وأصبح
ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين
ركام الروايات التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء، وإسرافه في انتهاكها، وأضافت بعض الأدبيات
التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع،
وقليل من المؤرخين من أنصف الحجاج، ورد له ما يستحق من تقدير.
وإذا كان الجانب المظلم قد طغى على صورة الحجاج،
فإننا سنحاول إبراز الجانب الآخر المشرق في حياته، والمؤثر في تاريخ المسلمين حتى تستبين
شخصية الحجاج بحلوها ومرها وخيرها وشرها.
في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في
سنة (41 هـ = 661م)، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلا تقيًّا على
جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون
أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجرا.
حفظ الحجاج القرآن على أبيه ثم تردد على حلقات
أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب،
وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه.
وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛
حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء:
"ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في
البلاغة والبيان.
قضى الحجاج على فتنة الخوارج بعد ان حاربهم وقضى
عليهم
وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على
العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها،
وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح
على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة،
ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره
جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها
لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة
لتوفير مياه الشرب للمسافرين
ومن أجلِّ الأعمال
التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته،
وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب
إليه تجزئه القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن
يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات،
وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
منقول من : أ. خالد ضوى