عندما أسرح فى أ ُفق الكون ساعة صباح
مندية والشمس تنشر أشعتها الصفراء الذهبية يأتينى صوت من الماضى الجميل مغرداً فى
حب مصر :" حين ما نحس بالغُربة.. وحين ماتغيب مراكبنا فى بحور التِيه.. بِتِبقى
إنتى المعديه.. ولما الريح تلاوعنا وتمرجح قلايعنا.. بتبقى المرسى والمينا ونجمتنا
المِلاليه"... ألا فهو صوت "المهندس الزراعىمحمد أحمد الباى الشهير ب حجاج الباى"
المنحدر من قبيلة القُضاة بإدفو بمحافظة أسوان بمصر منتسباً إلى الإمام الحسين"رضى
الله عنه"- وقد لُقب ب الباى لكونه لقب مماليكى منحه سلاطين المماليك لأصحاب
العصبيات المحلية والقُضاة فى مدنهم وقراهم لأنهم أصحاب نفوذ وكلمة بين ذويهم
وأقاربهم؛ فحصل عليه جده" سليمان بن محمد الباى" المنتهى نسبه للعارف بالله (عبد
الجليل النمسائى ) المعروف ب السلطان. نزح إلى القاهرة فى مطلع عام 1962 قادما من
صعيد مصر الجوانى محملاً بفيض من الآمال والطموحات فى تحقيق مستقبل أفضل له كشاعر
للعامية المصرية وعامية الصعيد بوجه خاص يدفعه إنتماء حميم لمصر ورغبة أكيدة فى نقل
واقعها إلى الأجمل، ولكن إيثارا للسلامة قرر أن يعود أدراجه إلى إدفو وأسوان، ونار
الصعيد ولا جنة القاهرة وظل فى مدينته البعيدة يكتب ويُراسل " مجلة صباح الخير
وجريدتاالجمهورية والمساء" واختص بقصائده المسئولين عن الأدب فيها مثل الأساتذة (
صلاح جاهين وعبد الفتاح الجمل وفاروق منيب ومحسن الخياط) حتى أنه حصل على الجائزة
الأولى فى الشعر العامى بمؤتمره الأول للأدباء الشبان بالزقازيق عام 1969.
ويقول عنه الأستاذ الدكتور يسرى
العزب:" عندما جاء المؤتمر الأول لأدباء مصر فى الأقاليم الذى عقُد فى المنياعام
1984 كان( حجاج الباى) من أول الأدباء المكرمين فصار بمثابة الماء الذى مر على واحة
ففجر خصوبتها من جديد فكانت سلسلة إشراقات أدبية ونُشر له ديوانه الأول( عروس
البحر) ؛ فاحتل موقعه اللائق فى ثقافتنا المصرية المعاصرة".
ويمتد الصوت من وراء الأفق قائلا:"
وأنا شاعر طويل الباع .. أقول الكلمه بألف دراع.. وأقول الحكمه ذى شراع.. لا أنا
خداع ولا بداع ولا بياع .. حديث الإفك والتضليل.. ولا وناس ولا خناس.. ووقت سكوت
كثير الناس..بقول الكلمة مطلوبه ومرغوبه".
فقد استمر حجاج الباى- رَحِمه الله-
يلخص بشعره حياة جيل بكامله بكل ما حملت مصر من إنتصارات وإنكسارات ، آثر البقاء
متفرداً يُغنى للأمل حتى وإن ظلت أدواته " الناى والربابة" فأصبحت القاعد خروجا
ونشاذاً وصارت الأصالة الإنسانية والفنية هى الإستثناء...
ثم يعود الصوت منشدا:" بلدى عروسة
مهرها غالى..صاحبة مزاج عالى..طالبة العريس بالمقاس.. تفصيل أسمر.. وشارب من عكار
النيل..القلب شفافى والدم خفافى.. قوال بقول مواويل".
وهكذا عشنا مع حجاج الباى شاعر
العامية بمصر رحلة ممتعة ويكفى ماقاله الدكتور" يسرى العزب"" وكان شعره الجيد يقف
دائما وراءالمتعة الفنية التى نحسها كلما قرأنا له."
وآخر ما بنهى القول ومن وراء الحُجُب
الكثيفة ينادى شاعرنا": بحبكم كلكم.. وأرمى التحية للصبايالزين.. وأغنى لبلادى..
وأهدى سلامى للًَى علًَا السد.. واللى بنى مصنع.. واللى زرع فدان فى جوف صحرا وشال
الفاس.. وكل إيد تنباس.. اللى فتح كراس وعلم وإتعلم.. واللى على مكتب كتب كلمه وخدم
الناس.. لاكنى باحنى الراس.. وأجعل كتوفى مداس.. للى حمل مدفع وشال دانه.. وداس عل
الشط والمينا.. وعدى ع المعديه.. وخطى فوق تراب سينا.
ديوان حكاية عروسة البحر لشاعر العمية الكبير حجاج البى |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق