المؤرخون المغاربة والأندلسيون وموقفهم من أئمة التفسير فى القرن الرابع الهجرى
بقلم: د. محمد فتحى فوزى
وغني عن التنبيه أنه بظهور الفاطميين في مصر في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ظهر التفسير الباطني، ولكن في دائرة ضيقة تكاد لا تتعدى رجال السياسة والحكم لأن المصريين لم يكونوا يستسيغون هذا المذهب الفلسفي، ولم يستطــــــــع الفاطميون أصحاب القوة والسيطرة إجبار الشعب على اعتناق مذهبهم بالقوة والقهر، لذا نراهم قد أفسحوا صدورهم على الرغم من أنوفهم لتفسير العلماء السنيين، بل سمحوا لهم في حرية مطلقة بالتحلق في المساجد، وإلقاء دروس التفسير النقلي على طلاب العلم. والراغبين في الاستزادة من معينة الفياض.
والتفسير الباطني اتخذه الفاطميون بطبيعة الحال وسيلة لنشر مبادئهم، ولجأوا فيه إلى التأويل والتحايل لخدمة مذهبهم، بل أغراضهم، وهذا اللون من التفسير لا يوافق المعرفة الحقيقية للغة العربية. وبينما نرى التفسير بالمأثور يخدم الدراسات الدينية واللغوية معا، لقيامه على المفهوم العربي السليم، فإنا نرى التفسير الباطني يؤدي إلى إضافة مفهومات جديدة للفظ، ليس لها وجود إلا في أذهان دعاة الباطنية، الذين يفسرون قوله تعالى في سورة نوح « فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات، ويجعل لكم أنهارا» بأن قوله تعالى: « يرسل السماء عليكم مدرارا»: إن السماء هي الإمام والماء والمدرار: العلم ينصب من السماء إليهم ومعنى قوله تعالى « يمددكم بأموال وبنين»: بأن الأموال هي العلم، والبنين هم المستجيبون ومعنى قوله تعالى« يمددكم بأموال وبنين»: بأن الأموال هي العلم، والبنين هم المستجيبون. ومعنى قوله تعالى« ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا»: إن الجنات هي الدعوة السرية، أو الباطنية والأنهار هي العلم الباطني.
وبقى المكر من أصحاب المذهب الشيعى
فقد تأثر المؤرخون المغاربة والأندلسيون بتعاليم الدولة الفاطمية حيث فى الأساس نشأت فى إفريقية( تونس) وكان مذهبها هو المذهب الشيعى الذى انتشر فى بلاد المغرب العربى و وجد صدى كبيرا فى المغرب الأقصى والأندلس بوجود الأشراف الأدارسة بها وقيام الدولة الإدريسية والأشراف السعـدية والدولة المرينية فى الجزائر والسنوسية الإدريسية فى ليبيا فثمة مرتعا خصبا للمذهب الشيعى الذى انتقل لمصر بعد ذلك مقر الخلافة الفاطمية
فتأثر المؤرخون المغربيون والأندلسيون بذلك المذهب فلم يكتبوا شيئا عن الإئمة مفسرى القرآن الكريم ذوى المذهب السنى كالإمام أبو بكر الإدفــوى المالكى المذهب ويبدو أنه أُخفيت تفاسيره وأحرق بعض منها لأنه عُثر عليهابمكتبة دير الإسكوريال بأسبانيا بحكم تواجد دولة الأندلس فبها وأُحرِق جزء كبير منها هناك كما قال الفيلسوف " أرنست رنان"بأنها كانت تربو على الالف مجلد ثم نُقلت إلى تركيا عصر الدولة العثمانية حاملة المذهب السُنى.
فلم يؤرخ لنا المؤرخ المغربى أبوسعيد الغرناطى الأندلسى فى مجلداته" المُغرِب فى حُلى المغرب" فى القسم الخاص بمصر عصر الدولة الإخشيدية أو الفاطمية أى سطر عن الإمام أبى بكر الإدفـوى(صفر304هـ -916م -388هـ -998م : عاصر الدولتين الآنفتين الذكر)ومجلداته" الإستغناء فى تفسير القرآن وعلومه" وحتى لم يخصص بابا للتفسير وأئمته من أصحاب المذاهب السنية لكون البيئة التى تأثر بها شيعية وتنشئته كانت شيعية للحيثبات المذكورة مسبقا.
وكل من نهل من تأريخه لم يتطرق للإمام أبى بكر الإدفوى أو مجلداته " الإستغناء" فى التفسير لامن قريب أوبعيد مثل كتاب" الدولة الإخشيدية فى مصر" للدكتورة سيدة إسماعيل الكاشف لأنهاتوقفت فى كتابها المذكور على فقهاء مصروتتبع أثرهابقية الأكادميين والباحثين ولم يكلفوا انفسهم جهد مشقة البحث فى عمق القرن الرابع الهجرى العاشر الميلادى ليأتونا بلآلئه البهية ولو كان لصار إنجازا عظيما يذكره لهم التاريخ ولكنهم ركنوا إلى السهل القريب وراحوا يدرسون التفاسير التى هُريت دراسة وتعليقا مع أئمتها ولم يفكروا فى إبراز دررأً أخرى من التفاسير كما تفعل الآن جامعة أم القرى بقسم علوم القرآن وتفسيره فقد غاصت وأخرجت لنا درة جديدة من التفسير الإدفـوى فهل ساءلوا الغواص عن صدفاته..
بينما جميع المؤرخين السُنيِّن مثل الوزير جمال القفطى أرخ له فى أنباء الرواه على أنباه النحاه وبغية الوعاة للسيوطى وتذكرة الحفاظ للذهبى وشذرات الذهب لأبو الفلاح بن العماد وطبقات المفسرين للداودى والطالع السعيد لجعفر بن ثعلب الإدفوى وطبقات المفسرين للسيوطى وطبقات القراء لابن الجزرى والوفى بالوفيات للصفدى وحُسن المحاضرة للسيوطى وهديةالعارفين للبغدادى وكشف الظنون لحاجى خليفة ومعجم المؤلفين لعمر كحالة ومعجم البلدان لياقوت الحموى وغيرهم الكثير والكثير.
لقد خدم تفسير القرءان الكريم من غير شك في معرفة اللغة العربية معرفة دقيقة، واستقصاء ظواهرها، كما خدم في معرفة أصول الدين الإسلامي باستثناء المفهومات الباطنية الحادثة، كما خدم في وقوف المصريين على أفصح نص عربي بليغ، وانبعاث النشاط العلمي الديني والنحوي واللغوي في مصر، وخير دليل على ذلك عمل المفسرين بأمور اللغة. وهذا ساعد أبناء الكنانة على تفضيلهم للأسلوب القرءاني الذي نثروه في كلامهم وخطبهم، وفي كل ما كتبوه منذ أن ظهرت عندهم الكتابة الديوانية، واستقامت سوقها، وازدهرت وأتمرت، حتى اختتمت الطرق الأدبية في أواخر القرن السادس الهجري بطريقة القاضي الفاضل أو أسلوبه في مصر، كما أننا نلاحظ أن شعراء مصر المتأخرين ضمنوه قصائدهم بما يسمى في علم البلاغة بالتورية أو التضمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق