(4)
مما لا شك فيه أن سلوك الطريق الصوفى والتصوف لا بد وأن يبدأ بالإستعداد
الشخصى الفردى الفطرى الموجود بداخل الإنسان ، ودافعية سلوكه كلمة تقال أو فكرة أو
إشارة أو حادثة من الحوادث، فيكون الجد والجدية؛ فيأخذ فعلا فى سيره نحو الله
تعالى:" إنى ذاهب إلى ربى". الصافات99.
وتعتبر المؤثرات الداخلية البحته
للفرد أكثر من أن تتصل بعوامل خارجية.. وليس شرطا لسالك الطريق أن يكون مطلعا على
الفلسفات الشرقية المختلفة ومن ثم فليس التصوف ثقافة كسبية تتأثر بهذا الإتجاه أو
ذاك وإنما هو ذوق ومشاهدة يصل الإنسان إليهما عن طريق الخلوة والرياضة والمجاهدة
والاشتياق والتأمل بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله عز وجل.
أما الذوق الصوفى والشعور الصوفى
والمعرفة الصوفية فإنها إستمداد من مصادر النور والهداية.
فيشرع المريد إجرائيا فى الوضوء ثم الجلوس مع الشيخ لأخذ
الــــــعهد بالمصافحة والترديد خــلفه للإستـــــغفار
والصلاة على سيدنا رسول الله والتهليل والتكبير والبيعة للطريق"وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا"الإسراء34.
والصلاة على سيدنا رسول الله والتهليل والتكبير والبيعة للطريق"وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا"الإسراء34.
والمداومة على الأوراد
المأخوذة من الأستاذ المربى ولابد فى التصوف من شرط جوهرى هو" التأثير الروحى"
التى تعنى" البركة" وهى لا تتأتى إلا بواسطة " شيخ" ويشترط الإمام "الرازى":
فى الشيخ
أن يكون مخلصا صادقا قد انتهج الصراط المستقيم وأن يكون سالكا بجهده وكفاحه.
لأن الوصول تارة
بالجذبة على ماقال عليه السلام": جذبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين"
وكقوله تعالى:" الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب".الشورى 13.
وكقول الإمام الدرديرى: " ومُن علينا ياودود بجذبة
بها
نلحق الأقوام من سار قبلنا
والأخرى بالسلوك، والأول لايصح الإقتداء به ؛ لأنه مثل من
وجد كنزا فصار غنيا فإنه وإن كان ذا مال لكنه غير عالم بكيفية اكتساب المال فلا ينتفع
به التلميذ الطالب لتعلم كيفية الاكتساب" فاجتباه ربه فجعله من الصالحين"القلم50
وكقوله عز وجل:" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك" الإسراء20 وقوله":أنظر
كيف فضلنا بعضهم على بعض". الإسراء21.
أما الثانى فهو الذى يصلح لتربية المريد لأن من سلك الطريق وعرف مراحلها ومنازلها واطلع على متالفها ومعاطبها
أمكنه إرشاد الغير إلى سواء السبيل والإخبار عن كيفية تلك الأحوال على التفضيل"
شرح الإرشادات11200".
ومن هنا كانت السلسلة وهى بركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك أن يصبح شيخا
فيؤثر بدوره فى مريد أو مريدين" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" الفرقان63.
وأصول التصوف يعبر عنها( سهل
التسترى) قائلا": أصول طريقنا سبعة: التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة وأكل
الحلال وكف الأذى وتجنب المعاصى ولزوم التوبة وأداء الحقوق".
وأن المحققين قالوا": ولو
رأيت إنسانا يطير فى الهواء ويمشى على الماء وهو يمارس أمرا يخالف الشرع فاعلم أنه
شيطان."
فالرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وسلم هو المثل الأعلى فى أداء الشعائر، وسُئل صلى الله عليه وسلم عن قوم
تركوا العمل بالدين وأحسنوا الظن فى الله فقال": كذبوا، لو أحسنوا الظن
لأحسنوا العمل."
ويظل المريد يذكر أوراده كل يوم سواء بعد صلاة العصر أو الثلث الأخير من
الليل" إن ناشئة الليل هى أشد وطأ ً وأقوم قيلا". المزمل6.
إلى أن يفتح الله عليه- وانتظار
الفرج عبادة- وفائدة هذه الأوراد المذكورة والمتمثلة فى التوحيد" لا إلاه إلا
الله. محمد رسول الله- أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى كما قال سيدنا رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، ثم الاستغفار ، والصلاة على سيدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، تؤسس المريد للدخول على قطع علائق النفس البشرية وهى سبعة
أنفس لكل نفس إسم من أسمائه الحسنى
عز وجل " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى" النازعات 40.وتلك الأنفس هى:
عز وجل " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى" النازعات 40.وتلك الأنفس هى:
-
النفس الأمارة بالسوء" وما أبرىء نفسى
إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربى إن ربى غفور رحيم " يوسف53، وهذه النفس
يمثلها البخل والحرص والأمل والكِبر والشهرة والغفلة.
-
النفس اللوامة"ولا أُقسم بالنفس
اللوامة"القيامة2 ويمثلها اللوم والتوبيخ- الفكر- القبض -العجب -الإعتراض
-
النفس التى ألهمها فجورها
وتقواها" ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من
دساها." الشمس7-
-
وهى تتأرجح مابين الفجور والتقوى المتمثلة فى :السخاء- القناعة- العلم- التواضع- التوبة- الصبر وتحمل الأذى.
-
النفس ا لراضية المرضية"رضى الله عنهم
ورضوا عنه."المجادلة22
وتتمثل فى الزهد- الإخلاص- الورع- الوفاء- ترك ما لا يعنيه- حسن الخلق- ترك
ما سوى الله- اللطف بالخلق التقرب لله- التفكر- الرضا.
-
النفس المطمئنة"يا أيتها النفس المطمئنة ،
إرجعى إلى ربك راضية مرضية، فادخلى فى عبادى،وادخلى جنتى"الفجر30
وتتمثل فى الجود – التوكل – الحكم- العبادة
-
النفس الكاملة بعد القضاء على كل هذه الأنفس
تكون النفس الكاملة.
وتُقطع علائق هذه الأنفس بتوجيه الشيخ المربى بسبعة أسماء من الأسماء الحسنى وكل شيخ وله طريقة فى ذكر الأسماء حسب فتوحها عليه.
يتخللها" الأحوال" وهى معنى ما يرد على العبد من غير تعمد ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو شوق أو هيبة أو اهتياج أو قبض وبسط كتعاقب الليل والنهار؛ فالقبض بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط بمنزلة الرجاء للمتابع ذلك مصداق قوله صلى الله عليه و سلم :
يتخللها" الأحوال" وهى معنى ما يرد على العبد من غير تعمد ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو شوق أو هيبة أو اهتياج أو قبض وبسط كتعاقب الليل والنهار؛ فالقبض بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط بمنزلة الرجاء للمتابع ذلك مصداق قوله صلى الله عليه و سلم :
" ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ، ألا
فتعرضوا لها، فلعلها أن تصيب أحدكم فلا يشقى بعدها أبدا "
.
وهى مستندة – أيضًا -
إلى القرآن، فهناك مثلًا حال الخوف الذي يستند إلى قوله تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة:16].
وحال الرجاء الذي
يستند إلى آية مثل: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآَتٍ}[العنكبوت:5].
وحال الحزن الذي
يستند إلى قوله تعــــــــــــــــــــــــالى:
{وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ}[فاطر:34].
{وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ}[فاطر:34].
أما
المقامات فتحصل ببذل المجهود "إن قيل مامعنى المقامات؟ يُقال:معناه مقام
العبد بين يدي الله عز وجل,فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات ( ترويض النفس وتهذيبها ) والانقطاع
الى الله عز وجل",وقال الله تعالى: (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) ( سورة ابراهيم
/14) وقال :( وما منا إلا له مقام معلوم ) ( الصافات / 164 ). وصاحب المقام ممكن فى مقامه وصاحب الحال
مترق فى مآله.
وينتقل المريد بالترقى من الأحوال المذكورة
آنفا إلى المقامات ومنها عند الطوسي: التوبة – الورع – الزهد – الفقر
– الصبر – الرضا – التوكل- الإحسان" أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه،
فإنه يراك"...الخ. ومن هنا بَرَّرَ ابن تيميةَ المقامات والأحوال، على أساس أنها
من أصول الدين، مثل محبة الله ورسوله، والتوكل على الله تعالى، والشكر له، ويقرر أن
«جميع هذه الأمور فرض على كل الأعيان باتفاق أهل الإيمان»([1]).
ومن ثم يكون
الصوفى صاحب سلوك يظهر على جوارحه ويمارسه حقيقة وليس أسلوبا أو رسما يرتسم به
دون فعل عملى" لم تقولوا ما لا تفعلون" الصف2-3.
وإذا عاين الصــوفى جنة الشهود فى الدنيا فهى
أفضل من جنة الخلود فى الآخرة وتأتى بالعمل والكسب والجد والاجتهاد ؛ فيكافئه الله
عز وجل بمشاهدة الملكوت الخفى فى دنياه قبل وفاته" إن هذا كان لكم جزاء وكان
سعيكم مشكورا" الإنسان22.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) ابن تيمية: مختصر الفتاوى المصرية، ص124، وانظر
ص587،
القاهرة، 1949.
القاهرة، 1949.
والتوحيد الحق هو الذى يتم من فضاء التجريد كقوله تعالى:" ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا" بمعنى توحيد الفطرة والاستدلال على الله به وليس بأوحال التوحيد وهى معرفة الخالق بمخلوقاته.( فضاء التجريد وأوحال التوحيد- النفحات الربانية للعارف بالله أحمد رضوان).
أفضل ماقلته أنا والنبيون من قبلى |
وإذا أتفق على
الأصول بشهادة " ألا إلاه إلا الله. محمدا رسول الله؛
فيمكن معالجة الفروع
لتسير على المنهج نفسه، ونستخلص من مقامات الوصول، أنه بقطع الطريق والإنتهاء منه
يصل المريد إلى الولاية ومعنى الولاية - موالاة الله بالطاعات- يستند إلى قوله تعالى:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:62].
فالنبوة تتضمن
الولاية ومن ثم فإن حالة الولى" ناقصة" بالنسبة لحال" النبى"
وذلك أنها ليست قاصرة بالنسبة لطبيعتها الخاصة ولكن قاصرة بالنسبة لدرجتها فى
العموم ؛ فدرجة الرسول المتجه للحق داخليا وللخلق خارجيا هى العالمية بعلوها على
النبى المتجه نفس الاتجاهين الآنفين بيد أنها محددة وتسمو على درجة الولى الخاصة
ومقام الجميع القرب.(1)
ويُصرف النظر عن
بدعات إسقاط التكاليف الشرعية من صلاة وحج وغير ذلك مما يستلزمه المسلمون بإدعائهم
أنهم وصلوا إلى درجة من المعرفة الصوفية العُليا والصواب أنهم يُقيمون تلك التكاليف
من حب التشريف لا من واجب التكليف وكليهما تكليف وتشريف يفعلهما الشخص بحب وبلا غضاضة"
وجعلت قرة عينى فى الصلاة" كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم أو كما قال " أرحنا بها يابلال."ـــ وليست بواجب يجب الانتهاء منه والسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق