الناس على مبادىء د ستورهم(3)
بقلم/ محمد فتحى فوز ى
بدءاً من أن المجتمع المصرى نسيج واحد لحمته وسداه
المسلمون والمسيحيون لا غنى لأحدهما عن الآ خر إجتماعيا واقتصاديا وعمليا.
ومن ثم عاش الجميع تحت ظل الدستور المدنى الذى نبع من
دولة الرسول فى المدينة المنور ة.
فبعد أن هاجر النبى
صلى الله عليه وسلم إلى يثرب أصبح
رئيسا لأحزاب غير متجانسة ؛ فشرع لتوحيدها
بالمؤاخاة بين الأنصار والأنصار والمهاجرين والمهاجرين وبين الأنصار والمهاجرين ثم
اتخذ للدين الإسلامى مسجدا ؛ لصلاة
المسلمين وللإجتماع بصحابته وأتباعه.
وشر ع فى وضع إطار للحياة الإجتماعية بنظام متكامل ؛ ليكون قاعدة للوحدة
بين سكان المدينة ؛ فوضع صحيفة
الدستور : لتنظيم الروابط الإجتماعية بين الأفراد وبعضهم.
ومن هنا توثقت
وحدة المسلمين فى المدينة
المنو ر ة بعد أن كان المسلمون فيها قبائل مختلفة فيما بينها وصا ر
المسلمون المتآ خون يشكلون قوة خطير ة
يحسب مشركوا مكة لها حسابا كبيرا.
فقبل انتهاء العام الأول من الهجرة كتب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار هادن فيه يهود المدينة وعاهدهم
وأقرهم على دينهم وأموالهم وعُرِف الكتاب بالصحيفة وقد
احتوت تنظيما للحياة الإجتماعية فى المدينة المنورة وتحديدا للعلاقات بين أهل
المدينة المسلمين وبين يهودها.
ويُستشف من الصحيفة
تجاهل النظام القبلى الذى يفتت
وحدة العرب، وجعلت من المسلمين جميعا ومن تبعهم ممن لحق بهم وجاهد معهم أمة واحد
ة من دون الناس" كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله." آلـ عمران110.
ولم تستبعد الصحيفة
من مدلول الأمة الفئات التى لم تعتنق الإسلام بعد من الأوس وطائفة اليهود الذين يوالون المسلمين ويحاربون
معهم وإن كانوا لا ينتمون إنتماء وثيقا إلى
الأمة الإسلامية إنتماء المهاجرين
والأنصار. أبقت الصحيفة أخلاق
القبيلة بعد دمجها فى القبائل
المختلفة و
ألقيت على كاهلهم أعباء دفع ديات
القتلى وفديات الأسرى
ورابطة الولاء
وما يترتب عليها من حقوق الموالاة وحق إجارة
الغر
باء إلا تجا ر قريش أو من نصرها.
نظمت الصحيفة حق
الأخذ بالثأر على نحو يجنب قيام حروب داخلية فقد تحول مبدأ الأخذ بالثأر إلى مبدأ القصاص والأخذ بالعقاب واعتبر تفويض حق
التأديب إلى الجماعة بدلا من الفرد إنتقالا حاسما له دلالته فى
المجتمع العربى الجديد وهو مرحلة متوسطة
فى قانون العقوبات بين العقوبة على المستوى الفرد ى فى
المجتمع القبلى إلى
العقوبة على
مستو ى تشريعات وقوانين فى مجتمع
الدولة وكان لذلك التنظيم أعظم الأثر فى
تفادى الحروب الداخلية والإضطرابات.
أوكلت الصحيفة
الله و رسوله فى فض أ ى نزاع أو
اشتجار يخشى فساده" وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم."
والغرض من ذلك هو تأكيد سلطة عليا دينية
تهيمن على المدينة وتفصل فى الخلافات وتمنع قيام إضطرابات فى الداخل
من جراء وتعدد السلطات وأيضا تأكيد ضمنى
لرئاسة الرسول صل ى الله عليه وسلم
ــ سياسيا.
ركزت
الصحيفة على تضامن المسلمين والمؤمنين وأظهرت موقف المسلمين
من يهود المدينة تاركة لهم حرية العقيدة :" لليهود دينهم
وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ــ وقس على ذلك ــ." وبالمقابلة ألزمت
اليهود بموالاة المسلمين وعدم التآمر
عليهم، وفتحت الباب أمام الراغبين منهم فى
الإنتماء إلى الأمة الإسلامية
": وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة ، غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
وأجر تبعية
اليهود للمسلمين يباح لليهود الحصول على نفقة اشتراكهم مع المسلمين فى
الحرب؛ فاليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين
بيد أن الشريعة الإسلامية هى الوحيدة التى جمعت ما بين
العقيدة والعبادة ونظام كامل للحياة أما كل من اليهودية والمسيحية فليس فيهما
تنظيم تشريعى قانونى ولكن عقائد وقيم
وأخلاق ، والشريعة الإسلامية هى ا لضمان ا لكافى لغيرا لمسلمين التى تحفظ لهم
كرامتهم وتصون حقوقهم وتكفل لهما ا لعدل والضمان الإجتماعى، بقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم:" لهم مالنا وعليهم ما علينا"، وقوله أيضا":من آ ذ ى
ذميا أو كلفه فوق طاقته أو انتقصه حقه فإننى خصمه يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته أ ى غلبته.".
ونواب الشعب هم الأمناء على ا لدستور فهم الأولى بتطبيقه
والرجوع للشريعة باعتبارها المصدرا لرئيسى للتشريع ؛ فالمقصود بالشريعة هو مجموع
المذاهب والإجتهادات التى صد رت عن فقيه مجتهد، والمشرع لا يلتزم بمذهب أو اجتهاد
معين وله أن يختار من بين الآ راء ما يراه
محققا للمصلحة ويلبى الحاجات فى ظل ظروف
المجتمع وفى الحالات التى لا تجد فيها السلطة
التشريعية أحكاما مناسبة فى الفقه الإسلامى ـــ
عليها بالاجتهاد ــ" ولا اجتهاد مع النص" ــ والقياس
والاستنباط وبذلك تكون نصوص الشريعة الإسلامية القطعية الثبوت تعد من النظام العام فى المجتمع وعليه فإنه لا يجوز صدور قانون أو
اتفاق يخالف هذه النصوص.
ويقوم القضاء بدور فعال فى ا لدستو ر المدنى لأن القانون
أعطى لأى فرد الطعن بعدم شرعية القانون أو
النص المراد تطبيقه عليه إذا ناقض نصا ثابتا با لدلالة مطالبا بإبطال القانون أو
النص وتطبيق حكم الشريعة المناسبة له.
وبالنسبة لتطبيق
الحدود لا يمكن أن تطبق قبل أن تكفل حد الكفاية وليس الكفاف لكل مواطن مسلم وغير
مسلم مقيم فى دار الإسلام.
فالقاعدة
القانونية هى مجموعة من القواعد العامة المجردة التى تنظم الروابط الاجتماعية وتجبر
السلطة العامة الأفراد على احترامها وذلك بطريق القو ة عند
الاقتضاء.
فتتميز بالعمومية
والتجريد ولا تتعر ض لزيد أو عمرو ولكن مجموعة شروط قانونية إذا انطبقت على فرد فهو المطلوب بعينه، والمادة الثانية من الدستو ر المصر ى الموضوع عام1970
والتى تنص فى جزء منها بعد تعديلها فى استفتاء
22 مايو عام 1980 على أن
:" مباد ىء
الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع."
والتشر يع تعريفه هو ماذُكر فى القاعدة القانونية سالفة الذكر.