خلافة الإمام علي (رضي الله عنه)
أستكمل موضوعى عن سيدنا على وخلافته وأنا أشعر أنه
مازال حزينا على تفرق المسلمين بين سنة وشيعة معتدلة ومتطرفة، وحبى له كرم الله
وجهه أن أُذكِّر به رضى الله عنه وبصبره على الخلافة – فذكر إنما أنت مذكر-إتباعا لتعليمات ابن عمه ومربيه سيدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فقد:
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تؤمِر
بعدك؟ فقال: إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة. وإن
تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف فى الله لومة لائم. وإن تؤمروا عليا – ولا أراكم فاعلين- تجدوه
هاديا مهديا يأخذ بكم إلى الصراط المستقيم.
ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعلى
كرم الله وجهه:" أنت بمنزلة
الكعبة تؤتى ولا تأتى ، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك ( يعنى الخلافة) فاقبل
منهم وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك. ويروى عن على قال قُبض رسول لله صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أنى أحق
بهذا الأمر؛ فاجتمع المسلمون على أبى بكر فسمعت وأطعت . ثم إن أبا بكر أصيب فظننت
أنه لا يعدلها عنى فجعلها فى عمر فسمعت وأطعت، ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا يعدلها
عنى فجعلها فى ستة أنا أحدهم فولوها عثمان فسمعت وأطعت ثم إن عثمان قتل ؛فجاءوا
فبايعونى طائعين غير مكرهين ثم خلعوا بيعتى فوالله مارضيت إلا السيف ...ولما قتل
ثالث الخلفاء عثمان بن عفان رضى الله عنه مظلوما ظل المسلمون حيارى لا يجدون لهم
ملجأ كأنهم فوضى ولم يجدوا أمامهم من يصلح للخلافة بعد عثمان إلا على بن أبى طالب
فذهب إليه معظمهم وطلبوا منه أن يلى الخلافة ؛فقدر رضى الله عنه المستقبل حق قدره
وعلم أنه إنما يستقبل فتنة ثائرة لا مرد لها فقال لهم: التمسوا غيرى فإنا مستقبلون
أمرا له وجوه وله وألوان ولا تقوم به القلوب ولا تثبت عليه العقول فناشدوه
الله والدين وقالوا: ما نرى أحدا أحق بها منك فقال: قد أجبتكم واعلموا أنى إن
أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتمونى فإنما أنا كأحدكم إلا أنى من أطوعكم وأسمعكم
لمن وليتموه. فأبوا إلا إياه ثم رأوا أن هذا الأمر لا يتم إلا بمبايعة
الزبير وطلحة رضى الله عنهما فذهب إليهما جماعة واتو بهما فبايعا عليا كرم الله
وجهه ثم بايعه بعد ذلك غالب المسلمين الموجودين بالمدينة وقد تخلف عن بيعته جمع من
أكابر الصحابة الموجودين بالمدينة مثل سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عمر والنعمان
بن بشير وغيرهم. وقد سئل عمن تخلف عن بيعته فقال: أولئك قعدوا عن الحق ولم ينصروا
الباطل. فلما علم أن بيعته قد تمت ،قام فخطب فى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:" أيها الناس إن الله أنزل كتابا هاديا
بين فيه الخير والشر؛ فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض الفرائض أدوها إلى الله
تعالى يؤتكم الجنة، إن الله حرم حرمات غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها
وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا
بالحق ، لا يحل دم إمرىء مسلم إلا بما يحب، بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت
فإن الناس أمامكم وإنما خلفكم الساعة تحدوكم فخففوا تلحقوا وإنما ينتظر بالناس
أخراهم. إتقوا الله عباد الله فى عباده وبلاده إنكم مسئولون حتى عن البقاع
والبهائم أطيعوا الله ولا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه(
واذكروا إذ أنتم قليلون مستضعفون فى الأرض)"
ثم نزل وكان لسبع بقين من ذى الحجة سنة ثلاث
وثلاثين للهجرة فقام بها كرم الله وجهه ما ينيف عن ست سنين لم يصفُ له كرم الله
وجهه له فيها يوم( وكان أمر الله مقدورا).
مشاكله فى الخلافة:
قال الشيخ أحمد محمد داود رضى الله عنه": رأى
الإمام على كرم الله وجهه فى بداية خلافته أن سبب توتر الاقطار كان لأجل العمال
الذين استعملهم سيدنا عثمان رضى الله عنه فقام بتعيين أمراء بدل الموجودين على كل
قطر من الأقطار ومصر من الأمصار وأمر كلا منهم بالتوجه إلى مقر عمله ومنهم
من استلم عمله بدون معارضة ومنهم من رجع قبل أن يصل لعلمه أن القوم لا يريدون
بأميرهم بديلا ومنهم من رده أهل البلد بأمر واليهم.
وقد امتنع معاوية رضى الله عنه عن بيعة على
كرم الله وجهه ظانا أن عليا أبدى هوادة فى نصرة عثمان رضى الله عنه ومن هنا نشبت
الحرب فى موقعة صفين والجمل
وقد أشار زياد بن أبى حنظلة على الإمام
على كرم الله وجهه بالتأنى فى حرب أهل الشام وقال:
ومن لم يصانع فى أمور
كثيرة يضرس بأنياب ويوطا
بمنسم
فخاطبه الإمام على كرم الله وجهه قائلا:
متى تجمع القلب الذكى
وصارما وانفا حميا تجتنبك المضالم
ويضيف المهندس صلاح الدين أحمد داود
قائلا:" يحبه أقوام حتى يدخلوا النار فى حبه، ويبغضه أقوام حتى يدخلوا النار
فى بغضه، إذا كان للعظمة مقياس فهذا أدق مقاييسها؛ فقوم أحبوا عليا رضى الله عنه
فاستحقوا- بغلوهم فى حبه لدرجة تأليههم له ونسبة الرزق إليه- الخلود فى النار.
وقوم أبغضوه فحسبوه بحسابهم مارقا من
الدين، والله يعلم أنهم هم المارقون...".
وقد وصفه وأسرته القرآن الكريم بقوله تبارك
وتعالى ": يوفون بالنذر
ويخافون يوما كان شره مستطيرا. ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما
نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا
قمطريرا".
هذا هو الإمام على المستمد أخلاقه من مشكاة النبوة
العظمى والتى تتمثل أكبر تمثيل فى إكرامه للسيدة عائشة زوجة بنت عمه سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وعلى آل بيته الأطهار وأصحابه الأخيار. وإنى لأتمثله كرم الله
وجهه جالسا متربعا على كرسى الخلافة بملابسه الفارسية المزركشة مرتديا لقلنسوته
على رأسه ،وهو حزين لما يحدث من هجوم على أم المؤمنين السيدة عائشة وقد فعل معها
مافعل من حفظ وسلامة فى موقعة الجمل ليكون قدوة لمحبيه فى تكريم أم المؤمنين رضى
الله عنها.