الصادق عرجون
الثلاثاء, 15 آذار/مارس 2016 - منقول
بقلم أ. د. علي جمعة
مفتى جمهورية مصر العربية الأسبق
من العلماء الأفذاذ
الذين نرجو من أبنائنا في الأزهر الشريف أن يجعلوهم نبراسًا لهم وهدفًا يصلون إليه
فضيلة العلامة محمد الصادق إبراهيم عرجون، والذي ولد في سنة 1903م الموافق 1321هـ
وانتقل إلى رحمة الله في سنة 1981م الموافق 1400هـ، ولد العلامة في بلدة إدفو
وتخرج في الأزهر الشريف عام 1929م ونال شهادة التخصص سنة 1935م وعين مدرسًا
بالمعاهد الأزهرية حتى أصبح شيخًا لمعهد دسوق الديني ثم شيخًا لمعهد أسيوط الديني
ثم شيخًا لمعهد الإسكندرية وعميدًا لعلمائها ثم كلية اللغة العربية ثم كلية أصول
الدين التي أصبح عميدًا لها عام 1964م، ورحل للعمل في الكويت والسودان والجماهيرية
الليبية والمدينة المنورة وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وفي كل ذلك أنتج العلامة
محمد الصادق عرجون كتبًا جعلته في مصاف العلماء الكبار والمؤرخين العظام؛ حيث اهتم
بإبراز قادة الفكر الإسلامي عندما رأى البيئة الثقافية قد أدارت النقاش حول مفهوم
قادة الفكر بعيدًا عن الدائرة الإسلامية، فنراه يقول: (فلم يشر أحد إلى تتابع
الدورة الثقافية شرقًا وغربًا وإلى أن هذه الدورة قد انتهت إلى الفكر الإسلامي
فأحدثت أثرها القوي في تاريخ الفكر الإنساني، فقلت في نفسي إن الضرورة ملزمة
بالحديث عن قادة الإسلام وأثرهم في تحرير الفكر الإنساني وإذا كان عظماء الصدر
الأول من رجالات الإسلام قد جمعوا بين السياسة والفكر أي أنهم أخضعوا الفكر النظري
إلى الميدان العلمي فصدروا في أحكامهم واتجاهاتهم عن شريعة ذات هدف إنساني فإن
زعماء هذا العهد قادة فكر بهذا المعنى)، ومن هنا وبهذا الأسلوب الرصين نرى الأستاذ
محمد رجب البيومي يصف العلامة عرجون (بالأسلوب الرجل، ففي أسلوبه ما في شخصيته من
فحولة وشجاعة وقوة، فلقد كان الأستاذ ذا حمية مخلصة وغيرة ملتهبة تلمسها في حديثه
كما تراها في بريق عينيه وتوهج ملامحه).
ألف العلامة الشيخ
عرجون مؤلفات منها "عثمان بن عفان"، "خالد بن الوليد"،
"علي بن أبي طالب"، وكتب في مجلة الأزهر عن عبد الله بن عباس ، وعبد
الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن
مسعود ، وهم العبادلة الفقهاء، وكتب أيضًا عن أبي بكر، وتوج هذا بكتابه الماتع
الذي بذل فيه عشر سنين من عمره وصدر في أربعة مجلدات كبار "محمد رسول الله
منهج ورسالة" صلى الله عليه وآله وسلم، حيث نحا فيه منحى التحقيق والتدقيق
والنقد العلمي المنهجي والتوفيق بين الروايات من خلال منهج دقيق لقبولها ورفضها مع
أسلوب رقيق منمق تشعر فيه بالأسلوب الرجل.
وألف أيضًا عن مذاهب
وشخصيات؛ فنراه يألف كتابه "أبو حامد الغزالي المفكر الثائر" ويعالج
قضية التصوف وحرية الرأي والفكر بصورة عميقة فيتكلم عن مصادر الغزالي في إحيائه
ويتكلم عن رأيه الشخصي حول قضية الشك عند الغزالي وله فيها كلام دقيق ينبغي الرجوع
إليه، يبين منهج الشيخ عرجون الذي نتمنى من أبنائنا الباحثين في الأزهر الشريف أن
يتعمقوا في فهمه وأن يتشربوه ابتداء من تتبعه للمصادر وجمعه للمادة وربطه بينها
والتفكر فيها حتى يكاد يعيش في عصرها وأجوائها ثم نقدها بالقبول والرد والتقويم
بذهن صافي ونفس شفافة وهي أمور لا تأتي إلا كملكات بعد تدريب ومعاناة وصبر واحتراق
بالعلم، وهذا هو الغرض الأساس من ذكر هؤلاء الأعلام وحث الباحثين إلى الالتفات
إليهم وإلى إنتاجهم، وقد ناقش بالفعل الباحث سعد الغرباوي رسالة بكلية أصول الدين
جامعة الأزهر تحت عنوان "محمد الصادق عرجون وجهوده في الدعوة إلى الله"،
كما ناقش الباحث غانم سعيد محمد غانم رسالة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر تحت
عنوان" محمد الصادق عرجون أديباً".
كما نحتاج إلي باحث
يتتبع مقالات الشيخ في مجلة الأزهر وإنتاجه الذي جرت حوله بعض المعارك الأدبية
العلمية ودراسة موقف الشيخ من الدكتور محمد حسين هيكل ومن الأستاذ محمد فريد وجدي
وغيرهم، حيث بدأ الشيخ الكتابة سنة 1939م الموافق 1358هـ بمجلة الأزهر، وإبراز هذا
النتاج العلمي مع تحليله واستخراج القواعد الفكرية التي وضعها الشيخ عرجون رحمه
الله.
وألف كتبًا أخرى يضيق
المقام عن معالجتها؛ من أهمها "الموسوعة في سماحة الإسلام" وهي في
مجلدين تتبع فيها سماحة الإسلام عبر العصور ابتداء من مصادره ومرورا بتاريخه
الطويل ومواقف المسلمين في تطبيق دينهم، وألف كتابه الماتع الفريد "سنن الله
في المجتمع" فساهم في السعي إلى إنشاء علم السنن الإلهية الذي أشار محمد رشيد
رضا إلى وجوب الاهتمام باستقلاله من علم التفسير كما استقل علم الفرائض من علم الفقه،
وألف كتابه سابقًا عصره "القرآن العظيم هدايته وإعجازه"، والهداية
والإعجاز هما سر القرآن العظيم وبهما أصبح القرآن نبيا مقيما يؤكد ختم النبوة
والرسالة ويلبي في نفس الوقت احتياجات الأمة الإسلامية الواحدة.
هذا علم معاصر من
أعلام الأزهر الشريف الذي كان له أكبر الأثر بعد ذلك فيما نقرأ وفي الحالة
الثقافية في مصر والعالم العربي والإسلامي عند الموافقين أو المخالفين فإننا نلاحظ
أن أسلوب عتاة العلمانية قد تأثر من حيث يدري أو لا يدري بنتاج العلامة عرجون
وأصبحت صياغتهم بأفكارهم تراعي هذا الجو الذي أنشأته كتابات العلامة عرجون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق