ما بعد الهجرة والمهجر
بقلم:د . محمـد فتحى فوزى
روى الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث
عائشة، ومن حديث ابن عباس ، عن الجميع، يقول ﷺ: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا
استنفرتم فانفروا" ومعـناه عند أهل العلم: لا هجرة من مكة بعدما فتحها الله
على نبيه ﷺ ، وليس المعنى نفي الهجرة بالكلية لا؛ فالمراد:
لا هجرة بعد الفتح يعني: من مكة إلى المدينة؛ لأن الله سبحانه جعلها دار إسلام بعد
فتحها، فلم يبق هناك حاجة إلى الهجرة منها، بل المسلمون فيها يبقون فيها.
وأما الهجرة ذاتها فهي باقية؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر الصحيح:" لا
تنقطع الهجرة، حتى تنقطع التوبة؛ فمن كان في بلاد الشرك واستطاع أن يهاجر ؛فعليه
أن يهاجر كما قال الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ
ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي
الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا
فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا
يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ
أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا" النساء:98-99.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عن هذه الآية: إنها تدل على وجوب الهجرة
قال: وذلك مجمع عليه بين أهل العلم ،أن الهجرة واجبة على كل من كان في بلاد الشرك
وهو لا يستطيع إظهار دينه؛ فإنه يلزمه أن يهاجر إلى بلاد إسلامية أو إلى بلاد
يستطيع فيها إظهار دينه، إلا من عجز كما قال تعالى": إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ
لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً "النساء:98 يعني: بالنفقة، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا"النساء:98 يعني: لا يدرون الطريق ،لا
يعرفون الطريق، حتى يذهبوا:" فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ "النساء:99 (عسى) من الله واجبة، المعنى: فأولئك معفو عنهم، الرجل العاجز
والمرأة العاجزة، وهكذا الولدان الصغار أتباع لغيرهم ليس لهم طاقة إلا بالله ثم
بأهليهم، فإذا كبروا وكلفوا وجب عليهم أن يهاجروا إذا استطاعوا من بلاد الشرك إلى
بلاد الإسلام، من بلاد يعجز فيها عن إظهار دينه إلى بلاد يستطيع فيها إظهار دينه،
ومعنى إظهار الدين يعني: الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص لله، وإقام الصلاة،
وإقامة الشعائر الدينية، فإذا كان يستطيع ذلك في بلاده اللي فيها كفر لم تجب عليه
الهجرة، إذا استطاع إظهار دينه، بأن يعبد الله وحده، ويدعو إلى التوحيد وينكر
الشرك، ويأمر بالصلاة ويصلي إلى غير هذا فلا حرج عليه، لكن إن كانت إقامته في بلد
الشرك أنفع للمسلمين وأصلح أقام وإلا هاجر ابتعادًا عن الخطر، وحذرًا من
الفتنة، ولهذا يشرع بعث الدعاة إلى بلاد الكفر حتى يدعو الناس إلى توحيد الله،
وحتى يعلموا الناس شريعة الله إذا كانوا أهل علم وفضل ولا يخشون على أنفسهم فتنة،
فإن ذهابهم إلى بلاد الكفار للدعوة والتوصية بالحق والتوجيه إلى الخير أمر مطلوب
كما فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وثمة تساؤل هل تدخل الأقليات الإسلامية في هذا
الحديث؟ والإجابة: تدخل كالبلاد،
الأقلية كالقرية إذا كان الأقلية يظهرون دينهم ويستطيعون إقامة الشعائر الدينية من
توحيد الله وإقام الصلاة والدعوة إلى الخير لم تلزمهم الهجرة ولا تجب عليهم الهجرة.
أما إن كانوا على خطر لا يستطيعوا إظهار دينهم فإنها تجب عليهم إن
استطاعوا، أما إذا لم يستطيعوا فالله يعفـو عنهم سبحانه.. (1)
فإذن الهجرة واجبة بعد الفتح فقط ليست من مكة
المكرمة إلى المدينة المنورة وإنما الهجرة إلى المعرفة فضلا عن الهجرة من الشرك
إلى الأيمان ناهيك من هجر الرزيلة إلى الفضيلة كل هذه هجرات معنوية.
فالهجرة ليست
متوقفة على مكان معين وإنما الهجرة تكون
من الإرهاب الفكرى والدينى إلى الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة زد عليه
ترك الأخلاق الذميمة إلى الأخلاق الفاضلة واللجوء إلى كنف الدولة والعمل من خلال مؤسساتها
الشرعية والعمل على عدم شق عصى الطاعة على ولاة الأمر والنهى فى الدولة بالإضافة
إلى نشر السلام وهجرة الحروب وسفك الدماء كل هذه هجرات مطلوبة ومعـول عليها فى
الحياة؛ فالخروج من الإنطواء إلى الإنفتاح وإنشراح الصدر واجبة ، والهجرة لطلب
المعايش والبحث عن العمل مطلوبة وقصار القول أن كل إنسان يهاجر من الظلام إلى
النور ومن الشىء الموحش إلى العمار والملك المتفتح فهى هجرة مطلوبة يُكافأ عليها
الإنسان ولابد أن تكون الهجرة آمنة:" فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" البقرة 195. هذه
عِبر ودروس العبرة فى عصرنا الحديث،،،
الإمام بن باز رحمه الله.(1)
المقال الأول من ذلك الرابط:
https://albayaledfuey.blogspot.com/2021/08/blog-post_69.html