مرحبا- welcome
واغُربتاه.. واأُماه..
واأبتاه!!(1)
بقلم" د. محمــد
فتحى فوزى
عندما ابتعـدت عن أمى
شعـرت بالغُـربة ؛ فالغُـربة ليست الإبتعاد عن الوطن والمواطنين فقط علما بأن
الوطن أُمْ ،ولكنها ابتعاد عن حنان وعطف الأمومة والأُبوة، وحينما أكتب عن هذه
أكتب عن ذاك؛ لأنهما صنوان لا يفترقان ،وجهان لعملة واحدة؛ فرباه أنا الغريب بدنيا
الناس رباه ؛فخذ بيدى وأرحم ضراعتها أنا الغـريب بدنيا الناس رباه، فالإنسان يكون
فى حالة اغتراب عندما تختلف ثقافاته عن ثقافة الأُخَرْ، حتى لو كان بين أحبابه
وأصدقائه ووطنه، وتتعـدد أشكال الغُربة مابين اغتراب عاطفى يتمثل فى الفراغ سواء
بالخلو من ممارسة حب الوالدين لوفاتهما أو أحدهما أو الأبناء؛ فانظر قوله تبارك
وتعالى: " وتولى عنهم وقال
يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم " يوسف84
؛ فكان فراغ عاطفى أنتج العمى والحُزن. وثمة السيدة
"هاجر" المصرية التى سعـت مهرولة كثيرا بحثا عن الماء لسد ظمأ
إبنها سيدنا" إسماعيل" أنتج النصب حتى انبثق لها فروت وارتوت ؛
وناهيك من إستجابته لطلب والده سيدنا إبراهيم "قَالَ يَا أَبَتِ افْـعَـلْ
مَا تُؤْمَرُ" الصافات102، ألم تكن هى دوافع
العاطفة المُحرِكة لتلك الإستجابات ،وأنتقل لمثل آخر ألا وهوالحب العاطفى
للعذارى من "قيس بن الملوح" مجنون ليلى العامرية و"قيس بن
زريح" مجنون لُبنى فى العصر الأموى حينها قال مجنون ليلى لـ "ورد"
زوجها:
بربّك هل ضممت إليك
ليلى قبيل
الصبح أو قبلت فاها
وهل رفّت عليك قرون
ليلى رفيف
الأقحوانة في نداها
كأن قرنفلاً وسحيقَ
مِسك
وصوب الغانيات شملن فاها
فقال
له ورد: أما إذا حلّفتني فنعم. فقبض
قيس بكلتا يديه على النار ولم يتركها حتى سقط مغشيًا عليــه وكان
يبكى على جبل " التوباد" وأما "مجنون لُبنى"فـقد وُجِـد ملقى بين
الأحجار وهو ميت، فحُمل إلى أهله.ومن ثم فالفراغ العاطفى يترتب عليه المرض النفسى المؤدى
فى النهاية للمرض العقلى والجنون وقِس عليه جميع أنواع العواطف من حب للحيوان أو المكان
أو الزمان ..
واغربتاه.. واثقافتاه!!
تحدثت
مسبقا عن الغُربة وطبيعتها، والإغتراب العاطفى، وها أنذا اليوم أتحدث عن الإغتراب
الثقافى ؛فالذى تختلف ثقافته عن ثقافة الأُُخرفى وطن واحد ،يصير غريبا بينهم؛ لكون
الثقافة الواحدة هى لغة التواصل بين الأجيال، وأضرب مثلا على ذلك، حكاية سردها لى أحد
المغتربين فى دولة ثرية، قائلا أنَّ معه أموال طائلة، تملأ زكائب وسيأخذها إلى مصر
بعد سنوات كثيرة متعددة من الغُربة؛ فرددت عليه ؛وذلك ثراء لإقتصادنا ،بيد أنه سيعوزك
الأُُنس بالناس؛ فكما كنت غريبا هنا، فستكون غريبا هناك؛ فتساءل قائلا - ولِمَا؛
فأجبته لأن ثقافتك أمست غريبة عن ثقافتهم،كون الثقافة هى نتاج مجموع الذكريات والمُعاناة
والمشاركات الشجية والهنية، والعادات والتقاليد
المشتركة بين الجميع فى الوطن الواحد ،وأنت فى تلك الفترة لطالما ابتعدت عن الوطن
لجلب المال :العنصر المادى ذو النفع المزدوج بينك وبين وطنك ،بينما لم توفق فى
العنصر المعنوى: وهو المشاركة فى المناسبات المتنوعة بين الأشخاص سواء فى السرَّاء
أو الضرَّاء ،وقد اكتسبت ثقافة خارجية قد تزيد على ثقافتهم، إلا أنهامغايرة لهم
تماما ،ومن ثم تغدو منبوذا وسطهم، وهذه طبيعة الناس ،وثمة يتحرك المرض النفسى ؛
فحينما تحن لحبيبتك يوما ما عند عودتك؛ فتجدها زوجة لرجل آخر أنجبت منه أطفالا؛
فحتما ستنكر وجودك وقد أسدلت ستائر النسيان على ذلك الماضى الذى كان مُفعماً
بالأمل وتدفق الحياة، وإذا حادثتها ستتضرع إليك، دامعة بالرجوع
من حيث أتيت ،مجامِلة لك بالترحم على أيامك
الخالية؛ فقد أمسى حبا ضائعا ، إذا تم إحيائه
فلن يجلب إلا الخراب والدمار؛ فأين من عينيك هاتيك الليالى وهى تنصت لإخباريات "سجع" القمارى، فقد تعود الناس عندما
يسمعون سجع صوت القمرى يقولون أن هنالك غائبا سيعود وأنت ياصديقى لن تعود ولن تفوت وتذكر قوله
تعالى:" وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ
أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْفَرِحِينَ "القصص(76)،وقوله": فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ
مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ"
القصص
(81)