قصة قصيرة
تجمع الناس حول ذلك النعش المصنوع من الخشب الأسود الرخيص ، والرمي فوق
منصة من القش اليابس الوجوم يخيم على الوجوه ، الأصوات تتعالى ثم تنخفض ، الجميع
يهتف ، يبكي ، يتساءل !!
ومن الجهة المقابلة النعش من البيدر الرحب ، البعض يتبادل القبل وعبارات الوداع ، الجميع يتبادل نظرات التساؤل الممزوجة بالخوف والرعب والتحدي ، بضعة من الشباب كانوا في ذهاب وإياب ، وكنت أحاول فلش نظري على الجميع ، حول النعش ، حول الناس ، وحول حلقة الوداع ، كل شيء مبهر الان !!
كنت قد رأيت مثل هذا التجمع في نفس بيدر بلدتي النبطية ، وقد كان وقت ذاك عرس بهاء ، لكن الجميع كانوا يركضون ، يضحكون ، الان المشهد مختلف ، الجميع يبكي ، وداع المجاهدين على قدم وساق ، الصراخ يتعالى ، النعش يرتفع فوق الأكف ، ويتجه نحوى هؤلاء الرجال الراحلين ...
وفجأة ، يتقدم مني ، محاولًا شدي بقوة إلى صدره ، يقبلني .. هل انت راحل ؟؟ نعم يا بنيتي .. بابا لماذا انت راحل ؟؟
أمك ستخبرك لماذا انا راحل ؟
سمر .. أرجوك أن نتبهي إلى أمك ، فأنت تعلمي جيدًا كم أحبها , مقتربًا من والدتي ، شادًا على يدها ، ويده الأخرى على كتفها ، انتبهي لنفسك يا لارا ..
سأعود قريبًا لن أغيب طويلًا ، انا واثق من ذلك. ، بينما كانت أمي غارقة في دموعها ، محاولة إقناع والدي بعدم الرحيل ..
لا يا لارا ، لا أرجوك ..لا أريد أن أراك ضعيفة , فأول ما أحببت فيك ، قوة شخصيتك ، وأحببت بك الخنساء وأمينة الغفارية ، وأم عطية الأنصارية ، وخولة بنت الأزور ، وكان لقاؤنا الأول هنا في نفس البيدر ، يوم عيد الإستقلال ، أتذكرين ؟
لكنك الان راحل ، وأخاف أن ترحل معك ذكريات العيد !!
لا يالارا ، لست وحدي ، فهناك العشرات من شبابنا يشاركونني الجهاد. ، والله ولي التوفيق ..
بهاء ، ويختنق صوتها ، بينما كان والدي يبتعد عنا مع رفاقه بخطى ثابتة ، وارادة لا مثيل لها .
ويختلط علي الأمر ، وتصبح المشاهد أمامي عدة دوائر متشابكة وغير واضحة ..
النعش والوداع وصراخ الأمهات ووالدي والصراع يتعالى ، وعشرات الأسئلة تتراكم في نفسي دون جواب !!
ليس لأحد الوقت كي يوضح لي ، لماذا يموتون ؟؟ ولماذا يرحلون ؟؟ والى أين ؟؟
الوقت أصبح متأخرًا وأنت ما زلت مستيقظة ، ماما .. لماذا رحل والدي ؟ ليحارب العدو ، وهل لديه سلاح ؟ وهل سيعود ؟ حتمًا سيعود ، وفجأة قرع الباب ، أهلًا أم عباس أهلًا ، ماالأخبار ؟ لا شيء يا عزيزتي ، كيف الصغيرة ؟ الحمدلله بخير ، ألم تخرجي. من المنزل اليوْمَ ؟ لا والله يا أم عباس فأنا متعبة ، أم عباس متململة في مقعدها ، والأخبار عن لطيفة ألم تصلك ؟ لطيفة !! خير ان شاءالله ، ..
البلدة بأجمعها تتكلم عن عدم وفائها ، المرحوم كان يعبدها ، يقولون بأنها خلعت الأسود ، وأن شهود عيان رأوْا الليلة الماضية فرس بدر مربوطًا قرب منزلها ..
معاذ الله يا أم عباس، ألا يكفيها المسكينة ما أصابها ??
ناقل الكفر ليس بكافر ، وما على الرسول الا البلاغ، محاولة الوقوف بصعوبة ، تصبحين على خير يا لارا .
وينطلق صوت المذياع ، معلنًا البلاغ العسكري رقم عشرة : أحرز العدو تقدمًا داخل اراضينا بين الساعة العاشرة صباحًا والحادية عشر وقد شن هجومًا على بلدة النبطية ، والخسائر لم تعرف بعد ، أما الان فتدور معركة شرسة بالسلاح الأبيض على تخوم بلدة مركبة ، وشوهد العدو يركض مذعورًا باتجاه الحدود الفلسطينية محاولًا قطع الأسلاك الكهربائية عن البلدة ، وهناك عدد من القتلى والجرحى ، سنوافيكم بالتفاصيل واسماء الشهداء حال وضوح الرؤيا..
ماما .. هل سيعود والدي ؟؟
نعم سيعود ، محاولة اخفاء قلقها ..
نامي يا سمر ، انه سيعود ، سيعود حتمًا ، واستسلمت للأحلام
.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن الجهة المقابلة النعش من البيدر الرحب ، البعض يتبادل القبل وعبارات الوداع ، الجميع يتبادل نظرات التساؤل الممزوجة بالخوف والرعب والتحدي ، بضعة من الشباب كانوا في ذهاب وإياب ، وكنت أحاول فلش نظري على الجميع ، حول النعش ، حول الناس ، وحول حلقة الوداع ، كل شيء مبهر الان !!
كنت قد رأيت مثل هذا التجمع في نفس بيدر بلدتي النبطية ، وقد كان وقت ذاك عرس بهاء ، لكن الجميع كانوا يركضون ، يضحكون ، الان المشهد مختلف ، الجميع يبكي ، وداع المجاهدين على قدم وساق ، الصراخ يتعالى ، النعش يرتفع فوق الأكف ، ويتجه نحوى هؤلاء الرجال الراحلين ...
وفجأة ، يتقدم مني ، محاولًا شدي بقوة إلى صدره ، يقبلني .. هل انت راحل ؟؟ نعم يا بنيتي .. بابا لماذا انت راحل ؟؟
أمك ستخبرك لماذا انا راحل ؟
سمر .. أرجوك أن نتبهي إلى أمك ، فأنت تعلمي جيدًا كم أحبها , مقتربًا من والدتي ، شادًا على يدها ، ويده الأخرى على كتفها ، انتبهي لنفسك يا لارا ..
سأعود قريبًا لن أغيب طويلًا ، انا واثق من ذلك. ، بينما كانت أمي غارقة في دموعها ، محاولة إقناع والدي بعدم الرحيل ..
لا يا لارا ، لا أرجوك ..لا أريد أن أراك ضعيفة , فأول ما أحببت فيك ، قوة شخصيتك ، وأحببت بك الخنساء وأمينة الغفارية ، وأم عطية الأنصارية ، وخولة بنت الأزور ، وكان لقاؤنا الأول هنا في نفس البيدر ، يوم عيد الإستقلال ، أتذكرين ؟
لكنك الان راحل ، وأخاف أن ترحل معك ذكريات العيد !!
لا يالارا ، لست وحدي ، فهناك العشرات من شبابنا يشاركونني الجهاد. ، والله ولي التوفيق ..
بهاء ، ويختنق صوتها ، بينما كان والدي يبتعد عنا مع رفاقه بخطى ثابتة ، وارادة لا مثيل لها .
ويختلط علي الأمر ، وتصبح المشاهد أمامي عدة دوائر متشابكة وغير واضحة ..
النعش والوداع وصراخ الأمهات ووالدي والصراع يتعالى ، وعشرات الأسئلة تتراكم في نفسي دون جواب !!
ليس لأحد الوقت كي يوضح لي ، لماذا يموتون ؟؟ ولماذا يرحلون ؟؟ والى أين ؟؟
الوقت أصبح متأخرًا وأنت ما زلت مستيقظة ، ماما .. لماذا رحل والدي ؟ ليحارب العدو ، وهل لديه سلاح ؟ وهل سيعود ؟ حتمًا سيعود ، وفجأة قرع الباب ، أهلًا أم عباس أهلًا ، ماالأخبار ؟ لا شيء يا عزيزتي ، كيف الصغيرة ؟ الحمدلله بخير ، ألم تخرجي. من المنزل اليوْمَ ؟ لا والله يا أم عباس فأنا متعبة ، أم عباس متململة في مقعدها ، والأخبار عن لطيفة ألم تصلك ؟ لطيفة !! خير ان شاءالله ، ..
البلدة بأجمعها تتكلم عن عدم وفائها ، المرحوم كان يعبدها ، يقولون بأنها خلعت الأسود ، وأن شهود عيان رأوْا الليلة الماضية فرس بدر مربوطًا قرب منزلها ..
معاذ الله يا أم عباس، ألا يكفيها المسكينة ما أصابها ??
ناقل الكفر ليس بكافر ، وما على الرسول الا البلاغ، محاولة الوقوف بصعوبة ، تصبحين على خير يا لارا .
وينطلق صوت المذياع ، معلنًا البلاغ العسكري رقم عشرة : أحرز العدو تقدمًا داخل اراضينا بين الساعة العاشرة صباحًا والحادية عشر وقد شن هجومًا على بلدة النبطية ، والخسائر لم تعرف بعد ، أما الان فتدور معركة شرسة بالسلاح الأبيض على تخوم بلدة مركبة ، وشوهد العدو يركض مذعورًا باتجاه الحدود الفلسطينية محاولًا قطع الأسلاك الكهربائية عن البلدة ، وهناك عدد من القتلى والجرحى ، سنوافيكم بالتفاصيل واسماء الشهداء حال وضوح الرؤيا..
ماما .. هل سيعود والدي ؟؟
نعم سيعود ، محاولة اخفاء قلقها ..
نامي يا سمر ، انه سيعود ، سيعود حتمًا ، واستسلمت للأحلام
.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دكتورةأسمهان بديرسعـداوى:
كاتبة وقاصة وشاعرة لبنانية تعيش في*
باريس، متزوجة ولها أبناء