سر قداستى
عرض: د. محمد فتحى محمد فوزى
هو قامة وقيمة أدبية،وليد طبيعة خلابة ،مجاورا لجبل سامق شامخ وسهل الغاب الزاهى، كريم غني بخيراته، يتحرك وجدان الشعر عنده فيقرض أروع القصائد ــــ الاستاذ ياسين عزيز حمود : الشاعر الذي نجم من رحم سهل الغاب ببلـــــدة "شطحة" الجميلة ، الثرية بطبيعتها الخلابة ،وموقعها عند السفح الشرقي لجبال اللاذقية ،والى الشمال الغربي من مدينة حماة السورية، خريج جامعة حلــــب السورية العريقة في كلية الآداب قسم اللغة العربية لديه سبعة وعشرين ديوانا طبع منها أربعة دواوين في اتحاد الكتاب العرب في سورية وثلاثة طبعت على نفقته الخاصة.. والباقي منها مخطوطة… (1)
فقد أشعرنا بقصيــــــدته:
سرُّ قداستي، والتى سأقوم بشرحها
مجزأة بحسب الوحدة العضوية للأبيات، بقوله:
قدْ رحْتُ أشدو للجمالِ مُرنِّماً
كيما يفوحُ الطيبُ مِنْ واديهِ
سر طهارتى
أنى ظللت أغنى للجمال ،كالكروان؛ لتنتشر الروائح
العطرة من واديه (وادى الجمال )
وسكبْتُ مِنْ قلبي الحنينَ على الرُّبا
ناجيْتُ في ركنِ الهوى أهليهِ
وصببت من قلبى الشوق على المرتفعات ـــ وهنا إستعارة مكنية ؛فقد
شبه الحنين بالماء الذى يُسكب ،آخذا صفة من صفات الماء وأستعملها للشوق
وحادثت بصوت خافت وهى المناجاه في مكان الهوى ما يوافقه وهنا
شبه الهوى بالإنسان الذى يُحادث وينُاجا ( إستعارة مكنية).
كنْتِ الهي ولى في أنينِ قصائدي
والشِّعرُ همسي , مُقلتي تُفديهِ
كنت أتسلى ولى في بكاء قصائدى
والشعر صوتى الخفى وعينى تفديه
وهذين البيتين ثريين ببلاغة
الإستعارة المكنية من مثل: أنين- همسى – مقلتى.
مازالَ في قلبي كنوزُ محبّةٍ
هذا المدى لا يدَّعي ما فيهِ
تستمر كنوز المحبة في قلبى
إلى حد بعيد وبكل صدق
وشفافية
وبالشطر الأول إستعارة مكنية ( كنوز محبة)
إنّي شرعْتُكَ – يا جمالُ -
عبادةً
أُصفيكَ شِعري والهوى أُصفيهِ
لقد أجزتك أيها الجمال الحسن عبادة وتقربا غير مُقِل وأفصل
هواى عن وسوسة الشيطان المُضلة
وسوانحُ الأحلامِ تُفعمُ مُهجتي
والنُّورُ سكْبٌ مِنْ شذا باريهِ
وعوارض الأحلام تملأ روحى والنور آتٍ من طيب خالقه
وذلك الشطر به إستعارة
مكنية ( تفعم)، ( والنور سكب)
مازالَ في قلبيْ الحنينُ إلى الصِّبا
مازلْتُ في قُدسِ الهوى أطويهِ
يستمر في قلبى الحنين والشوق إلى مرحلة الصِبا وقبل الشباب
ومستمرا في طهارة الحب والهوى يحتويه
تلكَ البيادرُ ما تُزايلُ خاطري
مهما نأى عنّي الصبا أُدنيهِ
هذه الحدائق لا تبرح
مخيلتى
مهما بعد عنى الصبا وشخت
؛ فأقربه لى ولا أستغنى عنه (يعنى الصبا).
قلبي هَيولى الحُبِّ سرُّ قداستي
في خافقي أضعافُ ما أُبديه
قلبى سيهرب الحب منه وهو سر طهارتى
في دقاته يبدو الحب أضعاف ما أظهره
وفى الشطر الأول
إستعارة مكنية هيولى)
قلبي تعبّدَ للجمالِ مُنعَّماً
أُغليهِ فوقَ منازعي , أُغليهِ
يخاطب الشاعر قلبه
يطالبه بالخشوع للجمال لأن الله جميل يحب الجمال ،مستريح البال أرفعه فهو ثمين
بعيدا عن الخلافات ويؤكد أخيرا الشاعر على غلو ثمنه وبعده عن المنازعات
قلبي توجّهَ نحوَ سرِّ بهائِهِ
ما مِنْ حدودٍ في الدُّنى تُثنيهِ
قلبى توجه ألى معرفة سر
بهائه وعظمته
التى لا تحده حدود
الدنيا تؤخره عن عظمته وبهائه
ساقيْتُ عهدَكِ مِنْ نجيعِ قصائدي
ومضيْتُ مِنْ دِيَمِ الهوى أُسقيهِ
رويت صيانتى لك ( أيها الشعر) من هناء نظمى وأحسنه
وسرت من فرط خمر الهوى والحب أروية
ونسجْتُ مِنْ عبقِ الجفونِ قوافياً
سَكرى بأحلامِ الصّبا تُزكيهِ
وغزلت ونسجت من طيب
الجفون وسهرها أواخر شعرى وميزانى
متمايلة بأحلام الطفولة والصبا تطهره وتؤججه
وخفَيْتُ سرّاً للجمالِ بأضلُعي
والخمرُ ينشرُ ما أنا أطويهِ
وأخفيت سرا للجمال لايباح به بين عظام جنبى
بينما الخمر والسُكر
يخرج ما أنا أخبئه كعادة المسكرات
عاودْتُ عهدَكِ بالضّنائنِ بالهوى
أرويهِ مِنْ شوقي النّديْ أرويهِ
رجعت إلى ما تعودت
عليه من نوادر هواى
أسقيه من لهفتى بقطرات الماء الصباحية ويؤكد على ريها بذلك
فتذكّري - يا حلوتي - عهدَ الهوى
غنّيهِ شوقاً مِنْ جوىً غنّيهِ
ويخاطب الشاعر حبيبته بالذكرى ما تعودا عليه من الحب والهوى
يغنيه الشوق والوجد من عشق جذوره
أفلَ الرّبيعُ عنِ المرابعِ فانبرَتْ
جُوَقُ البلابلِ في الرُّبا تبكيهِ
ذهب الربيع وأنطفأ عن
فصوله
فاعترضت مجموعة
البلابل في المرتفع تبكيه حُزناً
وتوجّعَتْ تلكَ السواقي , وأنثى
نايٌ شجيٌّ في المسا يُرثيهِ
وتألمت السواقى في
مزارعها
وصوت ناى حزين في
الليل يعدد خِصاله ،مع التفجّع
عليه ،والتأسّي والتعزّي بما كان يتصف به من صفات حسنة
أنا ما انثنيْتُ على الربوعِ مُعاتِباً
طللاً قديماً باكياً ماضيهِ
أنا ماضعفت عن فصول
الربيع لائما
أثرا قديما باكيا على ماضيه
لا بل أنسْتُ بعينِ قلبيَ صُحبةً
وحبيبَ روحٍ دائماً أعنيهِ
لا بل رأيت بعين قلبى صحبة
وحبيبة روحى دائما أعنيها
الشطر الأول به
إستعارة مكنية ( عين قلبى).
أنا للجمالِ صفيُّهُ ونديمُهُ
لأصونَهُ مِنْ شِيَّةِ التشبيهِ
أنا صديق الجمال المصطفى وسميره
لأحميه من عيوب الشبهات
ولئنْ تمادى الحُسنُ في استبدادِهِ
ألقيْتُ مرساتي على شطّيهِ
وإذا بعد الحسن (
الجمال) في تسلُطه وتحكمه
بعدت عنه وأوقفت مرساى على شاطئيه
آمنْتُ أنَّ الفجرَ مِنْ جلَواتِهِ
وعرفْتُ فيهِ نشوةَ التنزيهِ
توثقت الفجر من نوره ووضوحه
وعلمت فيه إرتياح
البعد عن النقائص ومما يدنسه
ويبدو
أن الشاعر الناظم كان متأثرا بالشاعر "البحترى" في نظم شعره وكليهما
سوريان فالاول من الأقدمين (821هـ - ت. 898 هـ)
والثانى من المحدثين؛ فكون طیف الخیال فــــــي الحقیقة هو الخیال الذي یجيء
في النوم ونعتبره جسراً یصل العاشق إلــــــــــــی المعشوق وإن کان بعید المنال
وهذا بینما لم یتوفر للعاشق المستهام أن یزوره إلّا به. كل ما يجول في بال العاشق
المشتاق لرؤية المحــبوب في عالم الرؤيا والخيال في الحقيقه تمثيل للمعشوق نفسه.
يعني أنّه يری حبيبته كأنها ماثلة نصب عينيه. ولولــم يكن لهذا اللقاء حقيقة في
الخارج، ويحدث هذا في حالة بين الیقظة والنوم ولا مطلق النوم. هذه حالة برزخية
بيــــن عالم الیقين وعالم الرؤيا. ويرتسم للمحبّ في ذهنه صورة لا حقيقة لها. مع
تدقیق النظر في أشعار البحتري حـــول طیف الخیال الذي تناوله یفهم أنه اعتبره أداة
فنیة جذابة. إنّ الطيف الواسع للمعشوق في عالم الخيال
ظاهرة بارزة وإبداعية في شعرالبحتري ومن أهـــــــمّ ما قاله فــي هــذا المنطلق.
والشاعر حينما يقوم بوصف الطيف، يخلقه علی قدر المستطاع بأجمل صورة كلوحة رسم يعرضها
علــی القُراء. والمسلك الذي سلکه البحتري في طیف الخیال وأنواعه المختلفة في
أشعاره الغزلیة والغرامیة أجمل وأحسن من أی شاعرٍ آخر. وإنّ شعره اصطبغ بهذا اللون
الشعري أكثر من أي شاعر آخر.
فهذه الأوصاف في شعر البحتري أصبح من المیزات الشعریة الهامة والقویة في دیوانه وبحقّ سُمّي بشاعر الطیف والخیال وهذا لقب يناسبه كثيراً دون سواه. طیف الخیال في شعر الشاعر دالٌ علــی حالة الوجد والشوق الذي غرق فیه ودائماً ذکر ذلك الخیال للشاعر أحلی وأعذب من کل شيء؛ لأنّ هذا الطیف الخیال یکون طیف المحبوب الواقع (2)
ويعتقد ابن رشيق بتفوق البحتري في وصف الطيف، فيقول: "وشعره
من هذا النمط، لا ســـــيّما إذا ذكر الطيف، فإنّه الباب الذي إشتهر به" (3) . ولعل في قول ابن رشيق، هذا الذي ربـــــــط بين تفوق البحتري في
الغزل وشهرته في وصف الطيف ما يحفزنا إلی النظر في وصف الطيف لدی الشاعر فقد كلف
كلفاً شديداً بوصف الطيف أو الخيال في الكثير من غزلياته، وارتبط الشيب بالطيف فـــي
أحيان كثيرة، وقد أصاب الشاعر في ذلك قمة النجاح وصار رقــــــــة خياله مضــــرب
المثــــل"
قال أبو علی القالی حول تفوق البحتري في بيان طيف الخيال: "ومن
أحسن ما قيل فــــــي طروق الخيال قول البحتري – هو أحد المحسنين – فيه حتی قيل :
طيف البحتري". (4 (
يذكر أبو هلال العسكري في كتابه المعاني أنّ الإسلاميين
والمحدثين أخذوا أكثر معانيهم في الخيال والطيف عن قيس بن الخطيم وعمرو بن قميئة،
وقد استخدمه في الغزل البعيث ومسلم بن الولـــيد وأبو تمام ودعبل وابن الرومي،
إلّا أنّ أحداً من هولاء لم يحقق ما حققه البحتري من تفوق وشهرة.(5)
يعتقد أحمد البدوي " إنّ طيف البحتري مصدر يقتبس منه الشعراء بعده ". (6) وقد أحسن البحـتري في حديث عنه وأطال في تصويره وأضاف إلیها كثيراً من حسّه وخياله. کمــا يعتقد عــبد الکـــریم الیافي أنّ أشعاره في الطيف متعارفة ومتداولة.(7)
***
ديوان العرب: سميه محمدى-
ماجستير في الأدب بجامعة
آزاد الإسلامية بإيران-
میزات طیف الخیال في
شعر البحتري وموقف النقاد والأدباء منه. ([2])
الديوان، أبوتمام، شرح وضبطه وقدم له
ايمان البقاعي، مؤسسه الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، الطبعة الأولي 1421 هـ /
2000م. ([3])