(1)-ترجمة لحياة أبى جعفر النحاس شيخ الإمام أبى بكر الإدفـوى( رضى الله عنهما)
إعداد:د. محمد فتحى فوزى
كان نزول القرآن الكريم على النبي محمد إيذانا بتحول حاسم في حياة العرب ، إذ هلّت عليهم
بفضله حياة الوحدة و القوة و السداد ، بعـد أن عاشوا قبله زمنا فــــــي تشرذم و ضعف و ضلال ، و فتح أمامهم أبواب التاريخ فدخلوه دخول المنتصرين ، حاملين راية الإسلام رحمة للعالمين ، غير أن هذا التحول لم يتم بين عشية و ضحاها
، فقد كان ككل تحول عميق مخاضا عسيرا ، لاقى فيه المسلمون الأولون من المحن و الآلام ما لاقوا ، فصبروا أمام البلاء ،و تحملوا عبء الرسالة السماوية ، فــــــــكان عاقبة ذلك أن مكّن الله لهم في الأرض ، و كنف سيرهم بالمجد و الخلود .
و لمّا كانت العرب ، زمن نزول الوحي ، شعوبا
و قبائل قد تباينت مضاربها، و اختلفت
حظوظها من الحضارة و البداوة ، و تفاوت اتصالها بمن قارنها من الأمم الأجنـــــبية ، فكان هذا حري أن يعمل في تباعد مساكنها واختلاف ألسنتها فيــــــؤدي إلى تعــدد لهجاتها ، فأذن الله لنبيه أن يؤدي إليهم الوحي على حسب ما تعودوه من منطوقـــهم رفقا بهم،و توسيعا عليهم ، فكان كل فريق منهم يقرأه على ما نشأ عليه من لــــهجة أبائه و أجداده ، و قد توارثت الأجيال على مرالعصور هذه الأضرب المختلفة من أداء النص القرآني ، و التي أُ طلق عليها في فتـــــرة لاحقة من تاريــــخ الإسلام تــسمية
عنى المسلمون كما هو معروف بالقرآن الكريم عناية
بالغة ، فحفظوه في صدورهم ، و دونوه في المصاحف ،و أدخلوا على هذه تعديلات متعاقبة في الرسم ، ثم عمـــدوا
و قد رأوا اللحن يستشري بين قارئيه إلى إنشاء علم النحو الذي قُيض له أن يكون أداة تصون الألسنة من الزلل في تلاوة القرآن ، و وسيلة تعين على تفهم معانيه ،
و تساعد في استنباط مقاصده .
و الحقيقة التي لا جدال فيها أن النحاة اضطلعـوا هذه المهمة و أدوها على أحسن وجه ممكن ، فلم يبخلوا بجهودهم في حفظ كتاب الله و دراسته وفق نظريتهم النحـــــــوية ،
و اجتهدوا ما أمكنهم الاجتهاد في سبيل توجيه قراءاته و تخريجها على ما أصلوه من قواعد ، و الّفوا في ذلك على مرالعصور من المؤلفات ما لا يدخل تحت حصر .
و يمكننا القول أن كتاب أبي جعـفـر " إعراب
القرآن " من أهم المؤلفات النحوية التي تناولت القراءات القرآنية بالدرس و التوجيه ، فقد خص فـــي كتابه للقـراءات حيزا معتبرا ، عرض فيه بنشاط لا يعرف الكلل آراء النحويين البصريين و الكوفييـــــــــن السابقين عليه ممن تطرقوا للقراءات من جوانبها المختلفة : الصوتية و الصرفية و النحوية ، فكان يناقش مذاهبهم في توجيهها و مقاييسهم التي اعتمدوها في الحــــكم عليها دون تعصب منه لمدرسة بعينها ، متبنيا آخر الأمر ما ارتآه منها صحيحا حينا ، و عامدا حينا آخر إلى إبداء اجتهاده الخاص إذا لم يجد عــند سابقيـــــــه ما يقـنعه .
وللموضوع بقية فى المقال القادم&
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من رسالة ماجستير: