الأخلاق فى الإسلام
إعداد: د. محمد فتحى فوزى
الأخلاق
في الإسلام عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمــــة للسلوك الإنساني ، والتي
يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا
العالم على الوجــه الأكمل والأتم ، ويتميز هذا النظام الإسلامي فـــي الأخلاق
بطابعين :
الأول : أنه ذو طابع إلهي، بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى .
الثاني : أنه ذو طابع إنساني، أي للإنسان مجهود ودخل فـــي تحديد هذا النظام من الناحية العملية .
وهذا النظام هو نظام العمل من أجل الحياة الخيرية ، وهو طراز السلوك وطريقة التعامل مع النفس والله والمجتمع .
وهو
نظام يتكامل فيه الجانب النظري مع الجانب العملي منــه، وهو ليس جزءًا من
النظام الإسلامي العام فقط ، بل هو جوهر الإسلام ولبه وروحه السارية في
جميع نواحيه : إذ النظــــــام الإسلامي - على وجه العموم -مبني على مبادئه
الخلقية فـــي الأساس ، بل إن الأخلاق هي جوهر الرسالات السماوية على الإطلاق.
فالرسول صلى الله وسلم يقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " [ رواه
أحمد في مسنده ] .
فالغرض من بعثته -صلى الله عليه وسلم - هو إتمام
الأخلاق ، والعمل على تقويمها ، وإشاعة مكارمها ، بل الهدف من كـــل الرسالات
هدف أخلاقي ، والدين نفسه هو حسن الخلق .
ولما
للأخلاق من أهمية نجدها في جانب العقيدة حيث يربط الله سبحانه وتعالى
ورسوله -صلى الله عليه وسلم - بين الإيمــان وحسن الخلق ، ففي الحديث لما سئل
الرسول صلى الله عليــه وسلم : أي المؤمنين أفضل إيمانا ؟ قال صلى الله عليه
وسلم : "أحسنهم أخلاقاً " [رواه الطبراني في الأوسط ] .
ثم
إن الإسلام عدّ الإيمان برًّا، فقال تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ
تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ
وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)(البقرة: 177)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " البر حسن الخلق "
[ رواه مسلم ]. والبر صفة للعمل الأخلاقي أو هو اسم جامع لأنواع الخير.
وكما
نجد الصلة بين الأخلاق والإيمان ، نجدها كذلك بين الأخلاق والعبادة إذ إن
العبادة روح أخلاقية في جوهرها؛ لأنها أداء للواجبات الإلهية. ونجدها في
المعاملات - وهي الشق الثاني من الشريعة الإسلامية بصورة أكثر وضوحاً .
وهكذا
نرى أن الإسلام قد ارتبطت جوانبه برباط أخلاقي ، لتحقيق غاية أخلاقية،
الأمر الذي يؤكد أن الأخلاق هي روح الإسلام ، وأن النظام التشريعي الإسلامي
هو كيان مجسد لهذه الروح الأخلاقية .
الخلق نوعان:
1- خلق حسن : وهو الأدب والفضيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال جميلة عقلا وشرعاً .
2- خلق سيئ : وهو سوء الأدب والرذيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال قبيحة عقلا وشرعاً.
وحسن
الخلق من أكثر الوسائل وأفضلها إيصالاً للمرء للفوز بمحبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، والظفر بقربه يوم القيامة حيث يقول : " إن أحبكم إلي
وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً" [ رواه الترمذي ] .
الأخلاق والممارسة الإيمانية:
إن
الأخلاق في الإسلام لا تقوم على نظريات مذهـــــبية ، ولا مصالح فردية ، ولا
عوامل بيئية تتبدل وتتلون تبعا لها ، وإنما هي فيض من ينبوع الإيمان يشع
نورها داخل النفس وخارجها ، فليست الأخلاق فضائل منفصلة ، وإنما هي حلقات
متصلة في سلسلة واحدة ، عقيدته أخلاق ، وشريعته أخلاق ، لا يخـــرق المسلم
إحداها إلا أحدث خرقا في إيمانه .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا
يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا
يسرق السارق وهو مؤمن " [ رواه البخاري].
وسئل صلى الله عليه وسلم :
أيكذب المؤمن ؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي
الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِــــنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَاذِبُونَ) (النحل:105) .
فالأخلاق دليل الإسلام وترجمته العملية ، وكلما كان الإيمان قوياً أثمر خلقا قوياً.
دوام الأخلاق وثباتها:
كما
أن الأخلاق في الإسلام ليست لونا من الترف يمـــــــــكن الاستغناء عنه عند اختلاف
البيئة ، وليست ثوبًا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء ، بل إنها
ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغـــير
الزمان لأنها الفطرة (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)(الروم:30).